السعلاة… أسطورة خرافية لا وجود لها الا في صور النساء الشريرات القبيحات

دانيا يوسف

السعلاة بالعربية الفصحى هي شخصية خرافية شيطانية أنثوية تستخدمها الجدات والأمهات لإخافة الأطفال في القصص الشعبية. وما زالت هذه الشخصية موجودة حتى الآن في قصص الأدب الشعبي العربي عموماً والعراقي والخليج العربي على وجه الخصوص. كما أنهم يشبهون بها بعض الفتيات والنساء اللائي يتخلقن بأخلاق القسوة والعدوانية او بعض الفتيات ذوات المظهر القبيح والدميم احياناً.
أسهب العرب في ذكر أخبار السعلاة وشرورها فهي عندهم كمصاصي الدماء عند الغربيين. قالوا عنها إنها من سحرة الجن، لديها القدرة على التحول والتصور بأشكال متعددة تارة في هيئة عجوز ظريفة تخدع الأطفال الصغار فتأخذهم معها وتأكلهم. وحيناً في صورة حسناء جميلة تتصيد المسافرين الوحيدين في الصحراء لتتلاعب وتتلهى بهم ثم تمتص دماءهم. فهي بإختصار مصاصة دماء قديمة أقدم بكثير من الكونت دراكولا ورفاقه الذين نشاهدهم في أفلام الرعب الهوليودية.
فما حقيقة السعلاة؟
السعلاة خرافة قاومت الزمن. وربما إستوحى العرب خرافتهم هذه من فلكلور وأساطير الأمم الأخرى حينما كانت قوافلهم التجارية تسير بين اطلال الحواضر العظيمة في مصر والعراق والشام.
ويعتقد بعض الباحثين ان جذور هذه الشخصية تعود الى ليليث في ملحمة جلجامش والتي تكاد تتطابق حرفيا في صفاتها مع السعلاة. ف”ليليث” كلمة آشورية/بابلية بمعنى أنثى العفريت. وتحول هذا اللفظ بعد ذلك من ليليث إلى ليل. ولم يعرف شكل وطبيعة ليليث سوى أنها كانت سبباً لجلب الشؤم. والأساطير المتناقلة تؤكد على إن ليليث كانت تغوي الرجال النائمين وتقتلهم بمص دمائهم ونهش أجسادهم ولعل هذا أول تصور عن السعلاة.
اذا فكرة السعلاة ومضامينها موجودة ضمن التراث البابلي والآشوري من خلال تطابق الجنس فـ “ليليث” أنثى و”السعلاة” أنثى. تطابق فكرة الشر في داخل كل منهما وتطابق أسلوب الحياة في الأماكن المهجورة.
آمن القدماء بحقيقة وجود الغول والسعلاة والعنقاء وغيرها من الوحوش التي نسميها اليوم بالكائنات الخرافية. آمنوا بوجودها وذكروها في كتبهم. فالمسعودي اورد بعضها في كتابه “عجائب الزمان” فقال:” ومن السعالي من تظفر بالرجل الخالي في الصحراء او الخراب فتأخذ بيده فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه”. أما الدميري في كتاب حياة الحيوان فيقول عنها “السعلاة اخبث الغيلان والجمع السعالي. والسعلاة ما يترائى للناس في النهار والغول ما يترائى للناس في الليل”.
هناك صورة نمطية رسمها الناس للسعلاة تتمثل في كونها حيوانية الشكل والهيئة، جسدها مغطى بفرو كثيف، مخالبها طويلة وحادة وربما كان لديها قرون كما أنها هالكة أي بإمكان الانسان أن يقتلها. هذه الأوصاف تقودنا الى الإستنتاج بأن الجذور الحقيقية لخرافة السعلاة تتحدث عن حيوان، مخلوق غريب محتال يفتك بالبشر من دون أن يعرفوا ماهيته لأنهم بالطبع كانوا على دراية تامة بأنواع الحيوانات المفترسة كالأسد والنمر والذئب. ومن المعروف أن أغلب الأساطير تدور حول أمور يعجز البشر عن تفسيرها.
كتب القزويني عن السعلاة في عجائب المخلوقات قائلاً ” ربما إصطادها الذئب في الليل وأكلها واذا إفترسها ترفع صوتها وتقول أدركوني فإن الذئب قد أكلني. وربما تقول من يخلصني ومعي ألف دينار يأخذها والقوم يعلمون أنه كلام السعلاة فلا يخلصها أحد فيأكلها الذئب”. ويبدو مما كتبه القزويني بأن قوة السعلاة الخارقة تخور امام حيوان مفترس كالذئب فهي اذن مخلوقة يمكن قتلها والتخلص منها.
نسوق لكم احدى الأساطير والقصص الكثيرة التي حفلت بها الكتب المهتمة بمثل هذه المواضيع. كان الأعرابي يقود فرسه وحيداً في صحراء موحشة بعد ان خرج مع قومه في غزوة طمعاً في الغنيمة لكنهم إنهزموا هزيمة منكرة وتفرقوا كل يريد النجاة بنفسه. وفيما كان الأعرابي يؤنب نفسه ظهرت في الطريق الخالي امامه فجأة امرأة كأنها خرجت من العدم وكانت غادة حسناء ترتدي ثوباً داكناً. بادرته المرأة بصوت عذب: حياك الله يا أخ العرب! هل لك في مساعدة امرأة ضعيفة تقطعت بها السبل؟ رد الرجل تحيتها متسائلاً: من أنت؟ وماذا تفعلين لوحدك في هذا المكان المنقطع؟ أجابت المرأة بلهجة يبدو عليها التضرع والشكوى: آه يا سيدي لقد كنت مسافرة مع قومي لكني إبتعدت قليلاً عن القافلة وحين أردت اللحاق بهم مرة اخرى كانوا قد رحلوا وتركوني خلفهم وحيدة. واشارت الى الطريق الذي يسلكه وهي تقول: لقد ذهبوا في هذا الاتجاه. فساعدها الرجل على الركوب خلفه على الفرس.
فكر الرجل في المرأة وكانت بارعة الجمال وهما وحيدان وسط هذا البحر الشاسع من الرمال. حدث نفسه وهو يتحسس يد المرأة التي خيل اليه أنها لا بد وأن تكون ناعمة فوقعت يده على جسد خشن كأنه وبر الابل. فزع الرجل بشدة، أدار وجهه نحو الحسناء الجالسة خلفه لكن ما شاهده كاد يخلع فؤاده من موضعه. كان وجه المرأة الصبوح قد اختفى وحلّ محله وجه أسود كالح لم ير في حياته أقبح منه. أدرك الرجل على الفور بأن المرأة التي أركبها خلفه لم تكن سوى سعلاة محتالة اتخذت صورة امرأة جميلة لتغرر به وتخدعه. أراد أن يستل سيفه لكنها اطبقت أسنانها الحادة على رقبته فأسقطته عن فرسه يتخبط في دماءه. صرخ طلباً للنجدة لكنهما كانا وحيدين في تلك الصحراء القاحلة المترامية الأطراف فذهبت صرخاته ادراج الرياح بينما راحت السعلاة تتلذ بإمتصاص دمه.
تلك كانت أسطورة السعلاة التي ترمز ربمّا الى غرس السلطة السلبية في نفوس الأطفال من خلال التلويح غير المباشر، بأن خارج حدود الأسرة والمجتمع لا يوجد سوى “مسؤول سيء” يؤذي الجميع. أيضا سعت بعض السلطات الحاكمة من خلال هذه الأساطير لبناء الخوف لدى المجتمع من خلال المرويات الشفوية غير الموثقة والتي تثير الرعب لدى الناس.