الروائي دانييل ديڤو في “روبنسون كروسو”..إستنباط الوسائل للبقاء

 

 


“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

بدأ الكتابة الروائية في سن متأخرة، ففي الستين من عمره قرر أن يكرس حياته لتأليف الروايات، فكانت “روبنسِن كروسو” باكورة هذه الأعمال. إنّه الروائي البريطاني دانييل ديـﭭو المولود عام 1660 والمتوفى عام 1731.
عمل ديـﭭو بالتجارة دون أن يحقق نجاحاً، وكان يحلم بالعمل السياسي. كتب في أجناس أدبية مختلفة، فألّف شعراً نقدياً، ونثراً تناول فيهما قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية، كما كتب قصصاً عن الأشباح والخيال العلمي. وشارك ديـﭭو في الأحداث السياسية عبر كتابات نقدية ساخرة، ما أدّى إلى ملاحقته وسجنه مدة قصيرة.
وصل عدد مؤلفات دانييل ديـﭭو إلى نحو أربعمئة في مختلف الأجناس الأدبية. أما الجديد الذي أدخله على الأدب الإنكليزي فهو تصويره للحياة اليومية بتفاصيلها وحقائقها. وبرغم أن الأسلوب الصحفي يطغى على كتاباته، فإنه اعتمد التنوع في العرض، والبساطة في الأسلوب. وقد وضعت صحيفة الـﮕـارديان روايته “روبنسِن كروسو” ضمن أفضل مئة رواية في التاريخ البشري.
أحداث الرواية:
روبنسن كروسو هي قصة شاب بريطاني قام – دون موافقة عائلته- بمغادرة بلاده في رحلة بحرية قادته إلى مغامرات لا تحصل إلّا بالخيال. فخلال رحلته يقع في يد القراصنة، فيستعبد ويباع، ثم يتمكّن من الهرب. وخلال عودته إلى بلاده تغرق السفينة التي يستقلها، ليجد نفسه على أرض جزيرة نائية، ليكون الناجي الوحيد من السفينة.
يستفيد روبنسن من حطام السفينة، وينجح في نقل الكثير من مؤنتها ومعداتها المختلفة وحيواناتها الأليفة إلى الجزيرة. ثم يجهز ما يقدر عليه من مستلزمات الحياة والاستمرار على الجزيرة، وكله أمل في أن تمر بالجزيرة سفينة تنقذه.
لكن السنوات تمضي ولا تمر السفينة. بيد أن روبنسون لا يخلد الى اليأس، بل يواصل تنظيم حياته برغم الظروف القاسية التي تمر عليه من أمراض وعواصف عاتية وزلازل. فإذا أضفنا الى هذا كله وحدته وعزلته، يمكننا تصور ما ركز عليه المؤلف، من قدرة الانسان على بناء مستقبله، واستنباط وسائل بقائه، وما توفّره الوحدة من فرصة للتأمّل العميق في الحياة. غير أن وحدة روبنسِن لم تستمر، إذ يمر بعض آكلي لحوم البشر إلى جزيرته بصحبة بعض أسراهم، فيتمكن روبنسن من إنقاذ أحد الأسرى، وهو شاب في مقتبل العمر، ويطلق عليه اسم فرايدَي نسبة إلى يوم الجمعة الذي أنقذه خلاله. ويشرع روبنسن بتحويل فرايدَي إلى إنسان آخر، فيعلّمه التوقّف عن أكل لحوم البشر، وكيف يرتدي ثياباً، ويحوّله إلى إنسان “جنتلمان” بحسب المفهوم الإنكليزي. وفي نهاية الرواية، تمر بالجزيرة سفينة تنقذ روبنسن كروسو وفرايدَي بعد مغامرة أخيرة مشوّقة. ويعود روبنسَن الى بلده بعد غياب 28 عاماً ليجد أنه بات من أصحاب الثراء، حيث استثمر أصدقاؤه أملاكه لصالحه طوال غيبته.
المفاهيم التي كرّستها الرواية:
في كتابه “الثقافة والإمبريالية” حلل المفكّر إدوارد سعيد العلاقة بين توسّع الإمبراطوريات الاستعمارية وبين تطوّر فن الرواية واكتمال خصائصه الفنية، فاعتبر أن الرواية هي أكثر الأشكال الأدبية التي ارتبطت بالتوسعات الاستعمارية وتزامنت معها. ولعل رواية “روبنسِن كروسو” هي نموذج مبكّر للرواية الغربية التي قدمت تمثيلاً للأخلاقيات الاستعمارية. وليس من قبيل المصادفة أنَّ أحداث الرواية تحكي عن أوروبي خلق لنفسه مستعمرة على جزيرة نائية، وأنّها كرّست المغامرة الفردية الرومانسية للرجل الأبيض، لتؤكد على الأخلاقيات الغربية في سعيها للسيطرة على أرض الآخرين غير الأوروبيين، على اعتبارهم متوحشين وغير مؤهلين دينياً ودنيوياً لامتلاكها ولإدارتها.
وهنا، يبدو روبنسن كروسو بطلاً محمّلاً بفضائل وقيم يجب عليه على نشرها في الأصقاع النائية، وهو ما تجسّد عند لقائه بفرايدّي، فلحظة اللقاء جسدت لحظة قطيعته مع ماضيه، فروبنسن لم يحاول معرفة اسمه، بل جعله فرايدي، أي إن الولادة الحقيقيّة لهذا المتوحش غير الأبيض كانت حين التقى بالأبيض “الجنتلمان”، ولذا كان على فرايدَي أن ينسى ماضيه الجاهل، والمتوحش، وعديم الشرف. هذا ما حاولت رواية روبنسن كروسو تكريسه من مفاهيم استعمارية.
مكانة الرواية:
استقبلت رواية روبنسِن كروسو بكثير من الاحتفاء والاهتمام بما تضمّنته من عناصر تشويق من مغامرات متنوّعة، وسفر في البحر، وتنقل في جزر مجهولة وغرائبية. وقد اعتبرت من الأعمال التأسيسية في دنيا الرواية. واستلهمت مادتها لكثير من الأعمال التي نقلتها حرفياً أو استوحت أحداثها أو عدّلت فيها أو بدّلت.