الرئيس ايمانويل ماكرون ولاية جديدة مع استراتيجية ثابتة..!

بقلم العميد منذر الايوبي*

كما كان متوقعآ، اتت نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لتكرس فوزا مستحقا “58% من الاصوات” للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عبر منحه ولاية جديدة؛ وبالرغم من عوامل داخلية عديدة ساهمت في عودته الى الاليزيه على صعيد الاداء السياسي والاقتصادي المطبع بمعالجة جائحة COVID 19 بدرجة مقبول، فإن عاملا اساسيا رفع من رصيده وساهم في انتصاره تمثل بالسياسة الخارجية والحراك الديبلوماسي الذي يقوده وزير الخارجية جان ايف لودريان، بما يتناسب مع رؤيته في تحقيق الاهداف الاستراتيجية لفرنسا حفاظا وتثبيتآ لموقعها على المسرح الاوروبي والاقليمي دولة عظمى من المتعذر تجاوزها ..!

من جهة اخرى؛ لم يشكل حضوره المتعثر الى بيروت محاورا اطراف السلطة السياسية وقادتها، “رغم تملص معظمهم من التزامات ووعود” محاولا ايجاد قواسم مشتركة تضع خارطة طريق لانتشال البلد من ازماته علامة سلبية، بل يحسب له على صعيد النخبة الفرنسية ثواب المحاولة، التي اثمرت بعد لَأّْي حكومة تمرير الوقت مع الحض على انجاز الاستحقاق النيابي الانتخابي..! واذ بات مقتنعا ان المأزق السياسي والاقتصادي المعيشي صنيعة الطبقة الاوليغارشية الحاكمة المستحكمة بمفاصل البلاد والعباد، فالرهان حاليا على متابعة مبادرته بعد تحرره من عبء تجديد الولاية..!

تاليآ، شكلت مذكرة التفاهم الاطارية للصندوق السعودي- الفرنسي لدعم الشعب اللبناني بهدف تمويل 35 مشروعآ في ستة قطاعات رئيسية “الامن الغذائي، الصحة، التعليم، الطاقة، الامن الداخلي” اولى الخطوات فهي تأتي وفقا لتوجيهات الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ بمسعى من الاول واقتناع الثاني، مع الاشارة الى ان الوكالة الفرنسية للتنمية ستشرف رسميآ على صرف الاموال، كما من المتوقع انضمام دولة الامارات الى هذه المساهمة..!
إستطرادآ، بدت هذه الخطوة عشية استحقاقات دستورية هامة محطة لالتقاط الانفاس “رغم انعدام الامل” قد تؤدي الى بعض انفراجات تنعكس ايجابآ على الاوضاع المعيشية والاجتماعية المزرية..!

تزامنآ؛ لعب الرئيس ماكرون ولا يزال دورا هاما في محاولته تبريد الحرب الروسية- الاوكرانية؛ فهو لا يزال محافظآ على قناة الاتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بموازاة التزامه مقررات مجموعة السبع والاتحاد الاوروبي لا سيما لجهة فرض العقوبات على موسكو ورفع وتيرتها..!؛ في مواقفه الواضحة المرتبطة بمصالح فرنسا ومبادئها التاريخية، اعلن تضامنه ووقوفه الى جانب الشعب الاوكراني، كما ادان بشدة قرار الكرملين شن الحرب داعيا الى انهاء العمليات العسكرية فورآ، وذلك بالتوازي مع دعم عسكري دفاعي محدود العتاد نوعآ وكمآ..!

في الواقع؛ تعتبر العملية العسكرية الروسية نقطة محورية في التاريخ الاوروبي، لما لها من انعكاسات وارتدادات مستقبلية على الصعيدين الجيوسياسي والاستراتيجي، كما لا يمكن تجاهل التداعيات على الاقتصاد الروسي مثل وقف استيراد النفط والغاز المورد الرئيسي للطاقة في اوروبا،..! وإذ شكلت ” العملية العسكرية” هاجسآ مقلقا لدى دول الاتحاد السوفياتي السابق، فقد دفعت معظم دول البلطيق الى التخلي عن حياديتها ولارتماء في حضن حلف شمال الاطلسي NATO..!

في فك شيفرة كلمته خلال العرض العسكري الضخم الذي توج احتفالات موسكو بعيد النصر التاسع من الحالي..! فإن الرئيس الروسي لن يألوا جهدا في تثبيت خطوط الجبهات لاحقآ، اذ لا عودة الى الوراء، وسيرسم التغيير الجغرافي الذي يفرضه الميدان كما حجم العمليه العسكرية النشطة وامتدادها الزمني الواقع الاوروبي الجديد، ليس ردآ او استيفاء لثمن العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفائها، بل انفاذآ لاستراتيجية الكرملين منع الحرب الشاملة او “العالمية الثالثة” من خلال ضم الاقليمين “دونيتسك ولوهانسك” في اقصى شرق اوكرانيا، مع تحقيق الهدف الاساسي بنزع اسلحتها وضمان تشكيل المنطقة العازلة عن حدود دول الحلف الاطلسي..!

أخيرآ؛ في رؤية الرئيس ايمانويل ماكرون واركان الاليزيه:
-ان الحرب الروسية-الاوكرانية ستطول ويجب الاستعداد لها وقد تمتد الى مناطق اخرى على المسرح الاوروبي.
-ان لاخبار امام اوروبا سوى ان تصبح قوة عظمى، إن سلكت الثلاثية القطبية “اميركا، روسيا، الصين” طريقها لحكم الكوكب.
-ان تحقيق التوازن الاستراتيجي بوجه موسكو ممكن من خلال تحالف وثيق سياسيآ واقتصاديآ وعسكريآ مع المانيا.
-ان العمل على تشكيل الجيش الاوروبي الموحد بات ضرورة، ما يجعل القارة العجوز اكثر قوة واستقلالية قادرة على مجابهة التحديات حاليآ او مستقبلآ..!

بيروت في 11.05.2022