الحوكمة الرشيدة في القطاع العام …

 

بقلم : فاطمة صالح

بداية، لا بد من الاشارة الى ان القصور الذي تخلل القوانين والتشريعات هو ما أدى إلى تدهور مؤسسات ومرافق الدولة العامة التي مُنيت بخسائر مالية وتقنية فادحة أثرت على الادارات لوجستياً واقتصادياً . وهنا برزت أهمية الحوكمة التي كانت قد لجأت إليها العديد من الدول واولها الولايات المتحدة الاميركية في العقد الثالث من القرن العشرين، فعملت من خلالها على تعزيز القدرة التنافسية للادارات العامة وجذب المستثمرين ومحاربة الفساد والبيروقراطية الادارية وجعل حكوماتها في مصاف العالمية .

وعلى الصعيد الدولي انتشر مفهوم الحوكمة أكثر من ذي قبل في العديد من الدول التي سارعت لتطبيقه في إداراتها ومؤسساتها العامة والخاصة لتعزيز الرقابة الداخلية وتحقيق تنمية إقتصادية مستدامة عبر الإستعمال الأمثل للموارد المتاحة، مثال على ذلك : أتأح نظام التوريد الإلكتروني في البرازيل الذي تكلف تأسيسه 1.6 مليون دولار تحقيق وفورات مالية بلغت107 ملايين دولار في العام 2004 ،لذا فهي تتمتع بأهمية بارزة

في هذا السياق فقد برز دورها في رفع الكفاءة الاقتصادية للشركات/ حيازة ثقة المستثمرين/ جذب أعداد كبيرة من المستثمرين .

وفي هذا الصدد، كنت شخصياً قد اخترت مؤسسة الضمان الاجتماعي في لبنان لإسقاط الحوكمة وتطبيقها على هذه المؤسسة باعتبارها إحدى أهم مؤسسات الدولة التي تعمل على تأمين الإستقرار الإجتماعي وباعتبارها مؤسسة تمس بكرامة وحياة الشعب اللبناني بالتالي هي معيار مهم إذا ما تم حوكمة الإدارة العامة في الضمان الاجتماعي. وقد وُضع قانون إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 1963 لكن تنفيذه على الارض استغرق حتى بداية السبعينات وهو مؤسسة مستقلة ذات طابع إجتماعي تتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال المالي والإداري ، مركزها بيروت تخضع لوصاية وزارة العمل والشؤون الإجتماعية بواسطة مفوض الحكومة ولوصاية مجلس الوزراء ولرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة دون أية رقابة مسبقة، ولا يخضع لمراقبة مجلس الخدمة المدنية ولا لرقابة التفتيش المركزي . وهو يشتمل على 4 فروع :

ضمان المرض والامومة.

– ضمان طوارئ العمل والأمراض المهنية.

– نظام تعويض نهاية الخدمة.

-نظام التعويضات العائلية .

في هذا المضمار فقد أجريت التدريب في مؤسسة الضمان فرع الشويفات خلال ربيع العام 2021 والتي أجريت فيها عدة مقابلات مع الموظفين بدءاً بالمدير العام وانتهاءً بأمين الصندوق حيث تعلمت فيها كيفية إدخال المعلومات على الحاسوب في مرحلة الوصفية وكذلك كيفية احتساب الإشتراكات وفق جداول محددة ومنظمة من مجلس الإدارة أما في مجال المحاسبة فقد تعلمت كيفية التأكد من صحة المعاملة واعداد جداول أو كشوفات واصدار شيكات بنكية باسماء المضمونين، والخ وقد اطلعت خلالها على أبرز التحديات التي تعرقل صيرورة العمل في الضمان الإجتماعي والتي تتجلى أبرزها في النقص الفادح الذي يعاني منه الضمان إن على صعيد الكادر البشري من موظفين وعاملين حيث لا يتعدى عدد الموظفين في ذلك المركز ال 25 موظف في الوقت الذي يقع على عاتق كل موظف إجراء ما يقارب 200 معاملة في اليوم بالإضافة إلى النقص في عدد الالات وعدم وجود تقنيات حديثة تتماشى مع العصر الإلكتروني الحديث مما يؤثر سلباً على آلية العمل ، ناهيك عن البيروقراطية والروتين الاداري الذي يعتري الضمان الإجتماعي حيث تحتاج المعاملة وقت طويل لإنجازها، زد على ذلك إحدى أبرز المشاكل التي يعاني منها الضمان هي عدم تجديد القوانين حيث ما زال يتبع نفس القوانين من عام 1963 وقد برزت هذه المشكلة مؤخراً عقب الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد جراء ارتفاع سعر الصرف حيث ما زال يغطي الضمان المستحقات المالية وفقاً لسعر الصرف القديم والذي لا يغطي اليوم ثمن علبة دواء واحدة فكيف إذا كان المريض ينوي إجراء عملية جراحية؟ بالتالي وضع الضمان الإجتماعي اليوم أصعب من ذي قبل وحتى الموظفين باتوا يعانون من عدم القدرة على الوصول إلى عملهم بشكل يومي بسبب إنخفاض معدل الاجور نسبة ًلسعر الصرف المعتمد حاليا وارتفاع سعر صفيحة البنزين نسبة للحد الأدنى الاجور الذي ما زال متبع وفقاً لقانون إنشاء الضمان الإجتماعي.

ومن ناحية أخرى فقد سلطنا الضوء في القسم الثاني من التقرير على بعض الدول التي نجحت في تطبيق الحوكمة في شتى مؤسساتها ومقارنتها في لبنان حيث نجحت الإمارات العربية المتحدة بفعل عدة عوامل منها إدخال التكنولوجيا الرقمية مختلف إدارات الدولة وتطبيق مبدأ الحوكمة الرشيدة في مؤسساتها تفعيل الرقابة والاشراف وتوحيد القرارات، حيث حلت في العام 2021 في المركز الثامن عالمياً في القيادة والإستشراف. أما لبنان فإنه يعود ضعف القطاع العام إلى عدة أسباب أبرزها:

1- الدمار الذي تعرض له لبنان وتحديداً بنيته التحتية بعد الحرب العالمية التي عصفت به.
2- التدخلات السياسية في عملية التوظيف العشوائى وكذلك القضاء
3- تفشي ظاهرة الفساد على نطاق واسع بسبب ضعف أجهزة الرقابة
4- تفشي البيروقراطية نتيجة المركزية الادارية وانحسار اتخاذ القرارات بجهة محددة دون سواها
5- افتقارالإدارات ومؤسسات القطاع العام إلى نظم إدارية متطورة و عصرية
6- عدم مواكبة التقدم التكنولوجي والمكننة الادارية إلا في نطاق محصور
7- بنية تحتية ليست بالمستوى المطلوب في مختلف المرافق والمؤسسات العامة.

ولذا دعت الحاجة إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تسهم في عملية الاصلاح الاداري ومنها مثلاً: العمل على إنشاء الحكومة الإلكترونية عبر استخدام الشبكة العنكبويتة العالمية والانترنت في ربط مؤسسات الدولة بعضها ببعض وربطها بالحوكمة وذلك الخلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والتخفيف من مخاطر الفساد وكذلك العمل على تطوير البنية التحتية من الالات و معدات حديثة تمهيداً لحوكمة المؤسسات وترشيد الحكم فيها. زد على ذلك يجب أن يصار إلى قوانين تتماشى ونظمالحوكمة وتعمل على الحد من الهدر والفساد بالادارات العامة والتي يعد أبرزها قانون رفع السرية المصرفية ومحاسبة المخلين بالنظام العام وهذا بطبيعة الحال يتطلب رفع اليد السياسية عن القضاء واجهزة التفتيش لتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية معاً عبر ضغط هيئات المجتمع المدني على صانعي القرار لتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسة

في الختام لا بد لي من التأكيد على انه لا يمكن تحقيق النهوض الإقتصادي بعيداً عن القطاع العام فهو الضامن الوحيد للمواطنين وعلى الرغم من الجهود التي بذلت على مدارس سنوات النهوض بهذا القطاع ، إلا أنه بات يعاني أكثر فاكثر نتيجة تقاعس السلطة عن ممارسة أدوارها. 

 

ومن هنا لا بد من الاقتناع بوجوب تطبيق الحوكمة في القطاع العام وذلك عبر تطبيق خطة ثلاثية الأبعاد تعتمد على : الاستراتيجية الواضحة القائمة على اعتماد نظام رشيد وفعال يعتمد على المساءلة والمحاسبة ، ناهيك عن تعيين أصحاب الكفاءات العلمية والمؤهلة لتولي مهام الإدارة والتخطيط ورسم السياسات العامة وتطبيقها على ما يسمى بالحكومة الإلكترونية . بالتالي فقد قمت باقتراح بعض التوصيات ومنها العمل على ترسيخ إرشادات البنك الدولي في سبيل زيادة الاستثمار وحجم الناتج المحلي في لبنان والذي بدوره يؤدي إلى سد العجز الحاصل في ميزان المدفوعات والخلل الجسيم في حجم الصادرات مقارنة بحجم المدفوعات . وهنا يأتي السؤال : ماذا عن أهمية تطبيق التوقيع والبصمة الإلكترونية لإنجاز المعاملات الرسمية على غرار الأمن العام اللبناني الذي يعتمد بشكل أساسي على آلات المسح الضوئي والإعتماد على بصمة العين إلكترونياً ؟ وماذا عن إمكانية إدخالها في مختلف أجهزة الدولة اللبنانية ومرافقها العامة ؟

————————————

*(هذا المقال هو عرض خلاصة من دراسة قدمتُها في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية كرسالة ماستر، وقد نلت عليها درجة جيد جداً).