الجولاني .. وتوحيد بندقية الارهاب..!

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

لم يعد من داعٍ للتعريف باسم واصل ونشأة قادة التنظيمات الارهابية المتطرفة الذين اعلنوا انفسهم حماة الدين الحنيف سواء في بلاد الشام والرافدين ام في افريقيا الشمالية وافغانستان وغيرها، بعد ان جعلوا من راية اسم الجلالة عباءة للقتل والمجازر ..! فَفي “غوغلة” بسيطة سيجد المهتمين قراء ومحللين تخمة صفحات عن اصلهم وفصلهم واجرامهم وتبعيتهم للارهاب العالمي على مدى سنوات او عقود..!
هؤلاء جميعآ او معظمهم وضعوا على لوائح الارهاب من الولايات المتحدة الاميركية ودول الغرب الاوروبي؛ اما مشغليهم كما الاهداف الاستراتيجية وراء استيلادهم فمن مصدر واحد.. في النتيجة الطاغية ضرب عدة اهداف بطلقة واحدة؛ تشويه الدين الاسلامي ومبادئه السامية؛ اسقاط دول وانظمة معادية او معارضة لا سيما منها التي تعملقت قدراتها العسكرية والصناعية والتسليحية؛ مشاغلة حكومات في الداخل عبر التحريض وبث الفتن وارتكاب التفجيرات وترويع المدنيين وصولا الى الحروب الاهلية..الخ. انهم بكل بساطة متدثري عقيدة شُوِهَت عمدا، بندقية للايجار و تنظيمات غب الطلب ..!
في نفس السياق؛ منذ هجمات 11 ايلول عدلت واشنطن من تركيبتها الامنية والاستخباراتية، كما استحدثت وكالات لاجهزة المكافحة وانفاذ القانون، تؤمن في الفعالية القصوى وفرآ اكبر في المعلومات، مع تقديم تقييم اقصى لصدقيتها ولو بالتقاطع التقليدي..
بالتوازي تم اعتماد استراتيجية الضربات الوقائية لاوكار التنظيمات الارهابية، وتجفيف منابع تمويلها وملاحقة حركة غسيل الاموال، اضافة الى تجنيد او تهجين بعضها.. وترجمة لذلك توالت اللوائح والنشرات الحمراء المعممة مزدحمة بالاسماء والالقاب المُطاردة كَ اسامة بن لادن؛ ابو محمد الجولاني؛ ابو مصعب الزرقاوي؛ ابو بكر البغدادي ايمن الظواهري ابو الوليد الشيشاني ..الخ.

كذلك وضعت التنظيمات الاساسية تحت مجهر الرصد المعلوماتي والمراقبة اللصيقة، هدفا مشروعآ للإختراق الامني؛ مثل هيئة تحرير الشام؛ تنظيم القاعدة؛ الدولة الاسلامية في العراق والشام؛ جبهة النصرة؛ جند الشام؛ جبهة فتح الشام، تنظيم انصار الدين..الخ. كما سجل بالمقابل عدة محاولات تملص او تمويه عبر تغيير اسمائها وتحوير تشكيلاتها، كذلك قلب ادوارها واعادة جدولة اولوياتها والاهداف، عبر الدمج بخلفية وحدة الايديولوجيا حينآ، والتفريع او التفريخ Spawning احيانآ أُخَر، بهدف تشتيت الجهد الاساسي للعدو او تضليله، وذلك وفقآ للظروف والامكانات ونمط الموائمة مع المتغيرات؛ ترافقت مع استمرارية محاولات قلب التوازنات الجيوسياسية في الاقليم، عبر تأسيس دويلات الخلافة المتعددة بما يفرض غالبآ تعديلآ عشوائيآ في خطط واستراتيجيات دول المواجهة ..!

من هذه المنطلقات؛ تداولت وسائل الاعلام خبرآ متأخرآ الى حد ما، باعلانها عن قرار المدعو ابو محمد الجولاني امير تنظيم “هيئة تحرير الشام-جبهة النصرة سابقآ” تفكيك تنظيم جنود الشام الذي يقوده (مسلم الشيشاني-ابو الوليد) وانسحاب عناصره من محافظة ادلب نهائيا وتسليم اسلحتهم المتوسطة والثقيلة..! في فجائية التوقيت بُعدٌ عن الارتجال وكثرة في الدلالات، اذ اعلن مسؤول جهاز الامن العام التابع ل (تحرير الشام) في منطقة ادلب “ان القرار نهائي غير قابل للاستئناف”.


في خلفية المشهد توحيد بندقية الجماعات الاسلامية المتطرفة، وفي الاسباب والحوافز والاهداف توسيع دائرة النفوذ ومناطق السيطرة مع ضمان آحادية القرار، سهولة تعديل استراتيجية التنظيم المهيمن عبر تثبيت قدرته على التفاوض، مرونة في تغيير سلوكيته نحو تشدد او اعتدال ما- غير مسبوق الصفة بعيد عن العقلانية “اعتدال في ممارسة الارهاب والتشدد والقتل ؟؟؟” قد يثبت وضعيته في حكم منطقة ادلب وقسم من شمال غرب سوريا مع رسم خطوط منطقة عازلة بين القوات التركية وجيش النظام السوري، لا سيما بعد نجاحه (الجولاني) في ضم الجماعات المتشددة الى تنظيمه، سواء تلك التي تبايعه في النهج ام التي تشاطره في العقيدة..!
عمليا؛ يراهن “ابو بكر الجولاني” على ان اظهار انضباطية فصائل تنظيمه وتصفية العناصر غير السورية او الاجنبية من بلاد (ستان) واقصاء المجموعات المسلحة الاخرى، قد يسمح له بالتفاوض مع القيادة الميدانية الروسية في “قاعدة حميم” الجوية تمهيدآ لجعله جزءآ من العملية السياسية، سيما بعد سيطرته على الادارة المحلية في ادلب..! مع الاشارة الى ان القرار الاميركي بوضعه على لائحة الارهاب رغم وجود قنوات اتصال خلفية مع الاستخبارات الاميركية وفق ما سُرِب، احد حوافز محاولته التفاهم مع القيادة الروسية ان تلقفته الاخيرة وفق براغماتية معتادة، لاعتباره جزءآ من الميليشيا الموالية لها على الحدود المتاخمة لشمال منطقة القوقاز ..!
من جهة اخرى؛ بدا القرار الروسي استئناف الغارات الجوية على الشمال السوري ومنطقة ادلب بصورة خاصة، مؤشرآ لنتائج قمة اردوغان- بوتين التي عقدت اواخر شهر ايلول المنصرم، اذ استهدفت موجات القصف الجوي الفصائل المسلحة المناوئة للنظام والموالية لتركيا. كما يبدو ان لا مناص امام رئيس الاركان التركي الجنرال “يشار غولر” من شن عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ووحدات حماية الشعب الكردي اضافة الى التنظيمات الاصولية المتشددة والمستجدة؛ وذلك بعد تعرض قواته خلال الاشهر الماضية لهجمات خاطفة وكمائن اسفرت عن مقتل 30 جنديآ على الاقل.. وقد تصب في نفس الاطار الزيارة التفقدية منذ اسابيع لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار يرافقه قائد القوات البرية الجنرال “موسى ساوار” قيادة قطاع الفيلق السادس في ولاية هاتاي على النقطة صفر من الحدود التركية- السورية ..

يستنتج ان لقاء قمة الرئيسين الروسي والتركي لم يفضِ الى موافقة روسية على عملية عسكرية واسعة تهدف الى تشكيل حزام امني جديد ترغب به انقرة؛ وربما تكون هذه الموافقة مشروطة بِ لا ممانعة اميركية ايضآ، وبالتالي ستكون العملية العسكرية احد بنود لقاء الرئيس أردوغان نظيره الاميركي جو بايدن على هامش قمة العشرين G20 المنعقدة في العاصمة الايطالية روما.
بالانتظار تستمر ضربات سلاح الجو الروسي على المجموعات المناوئة للنظام في حين ينشط جهاز الاستخبارات التركية بالتواصل مع الميليشيات الحليفة لجمع المعلومات بهدف تنسيق العمليات الامنية في مناطق الشمال-الغربي السوري الخاضعة لها وضرب الخلايا التابعة لما يسمى “سرية انصار ابي بكر الصديق” التي ظهرت على الساحة مؤخرآ، متبنية 19 هجوما على القوات التركية في محافظة ادلب ..
تاليآ؛ دلائل تشير ان حرب الاستنزاف التي تشنها “سرية انصار ابي بكر الصديق” على القوات التركية تصب في خانة واهداف تنظيم “هيئة تحرير الشام”، كما تدخل ضمن سياق عملية تطهير المناطق الخاضعة لها، وتفكيك المجموعات الجهادية المستقلة عنها مثل “حراس الدين- فرع القاعدة في سوريا”.. وفي نفس السياق اُعلِنَ عن ولادة عدة تنظيمات جديدة مجهولة التبعية متقمصة بعض اسلافها: (الطليعة الجهادية-كتائب الشهيد مروان حديد- كتائب خطاب الشيشاني) وهي بالتحليل الاستخباراتي اذرع واوراق جديدة بيد ابو محمد الجولاني رغم نفي الاخير، حيث تتحرك خلاياها وتنفذ عملياتها بشكل آمن ضمن مناطق نفوذه او انتشار مجموعاته “باب الهوى- باتبو- كفر لوسين- ادلب” على محاور الطرق الرئيسية؛ كما ان ظهور بنادق القنص الحرارية Barrett M-82 الاميركية الصنع بيد هذه المجموعات يطرح اكثر من علامة استفهام حول ازدواجية اللعبة ومداها في الوقت الضائع ..

في هذه العجالة، يمكن التأكيد ان الشمال السوري لا يزال المسرح الاخير لمشهدية انتهاء او انهاء الحرب في سوريا.. المحاذير متنوعة ليس اقلها الخلاف التركي مع موسكو و واشنطن في آن رغم اختلاف الاسباب، ناهيك بالكلفة الكبيرة في العتاد والارواح لاية عملية عسكرية من نوع اجتياح مناطق.! كما من التداعيات تفلت التنظيمات الارهابية المشرذمة وعودتها بعشوائية الى ميدان المواجهة .. من هذا المنطلق تطرح تفاصيل الميدان في قراءة الرسائل الروسية الساخنة تحملها اجنحة “السوخوي CY-35” الضاربة على طاولة اردوغان- بوتين، اذ انها “بروفا” النفوذ والمصالح ومسودة الخرائط.. في حين ان الرخام الايطالي للطاولة المستديرة بين الرئيس التركي ونظيره الاميركي سيكون حجر الرحى من نوع عقوبات “تعصر على البارد” رغبات أردوغان وتهور قراراته..!

—————————

بيروت في 31.10.2021