التفاهم السعودي – الايراني فرصة للبنان .. من يستغلها؟

بقلم العميد منذر الايوبي*

بعد طول انتظار وكثرة رهانات على متغيرات ايجابية تقارب التسويات في الاقليم الشرق اوسطي، ربما بزغ ضوء في آخر النفق اوقد شمعته ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبصرف النظر عمن بادر ومن تلقف كما الاسباب والخلفيات التي على اساسها بني التفاهم السعودي- الايراني، فمن البديهي ان تكون جملة نقاط مشتركة جامع الوصول اليه..!

تقاطع المصالح اضافة الى الرؤية المستقبلية والجيوسياسية للمخاطر التي تلفح رياحها دول المنطقة، جعلت المؤثرَّين الاقليميين “المملكة العربية السعودية- الجمهورية الاسلامية الايرانية” يصوغان خارطة الطريق الآمنة، بما يكفل مواجهتهما التحديات كل من زاويته الامنية والاستراتيجية..
وفي التأكيد ان التفاهم ليس من نوع تنظيم الاختلاف، بل تهدئة الصراعات على الفوالق المشتعلة وصولآ الى تسويات بالنفس الهادئ إن حسنت النيات وتلائمت الظروف مع توأمة المعطيات ..! مختصر تحديد وجهة البوصلة السياسية تصحيح التوازن وترسيم المسار؛ الأمير فيصل بن فرحان‬⁩ : المملكة العربية ⁧السعودية‬⁩ ماضية في مسار التهدئة وخفض التصعيد استشعاراً لدورها ومسؤوليتها في تعزيز الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي..!

في سياق متصل؛ سجلت الديبلوماسية الصينية قفزة نوعية كوسيط قوي ونزيه من خلال رعايتها وسعيها لإنجاز التفاهم؛ هذا الحراك الديبلوماسي لم يأتِ من فراغ بل على أهلية متكئة على خلفية نفوذ اقتصادي وصناعي اضافة الى رؤية استراتيجية واسعة الافق، اذ ان كلآ من طهران والرياض يشكلان عامل استقرار اقليمي لحماية الممرات البحرية ونقل الطاقة النفطية والغازية، كما درب ازدهار مسار طريق الحرير (مبادرة الحزام والطريق) One belt-One road التي تربط الصين بالعالم “اكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية”..! في اهلية المتابعة، يبدو ان الحراك الديبلوماسي للقطب الصيني بدأ يتجه الى بقعة الصراع الساخنة اوروبيآ، اذ من المتوقع بدأ محادثات صينية – اوكرانية عبر القناة الفيديوية بعيد زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” المرتقبة الى موسكو، حيث استشراف ورسم خارطة الوساطة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين..!

في اتفاق الشجعان، لا قرار اميركي لتغيير قواعد اللعبة ميدانيآ، اذ سيتابع الاسطول الخامس الاميركي مهامه في حماية الممرات المائية البحر الاحمر، خليج عمان، الخليج العربي وبحر العرب. الخاضع لسلطة الجنرال Michael “Erik” Kurilla قائد القيادة المركزية الاميركية الوسطى CENTCOM التي يشمل نطاق عملياتها الشرق الاوسط وشمال افريقيا “21 دولة بما فيها اسرائيل”. يشار الى ان الجنرال Kurilla مقتنع ان الترسانة الصاروخية الايرانية يجب ان تبقى تحت اعين قواته، ولا تعديل في قواعد الاشتباك. كما يسجل له تجاوزه برودة العلاقات السياسية والديبلوماسية بين واشنطن والرياض، اذ حافظ على علاقة عسكرية قوية للغاية مع رئيس هيئة الاركان للجيش السعودي الفريق فياض الرويلي ..
في الاضرار الجانبية، اخراج الإتفاق الى العلن ونشر بنوده لم يستساغ من كثر كما لم يهضم من كثيرين، سواء بعض الرعاة الدوليين المهيمنين على الوضع الجيوسياسي والاقتصادي النفطي في المنطقة، ام من الاذرع العاملة على مدى عقود والتي قد تنتهي ادوارها او تجمد كياناتها بالحد الادنى، لإنتفاء ضرورات الوجود والمهام..!

في معادلات الابجدية؛ يبدو ان السين معامل مشترك “قيمة لا متغيرة” في السياسة الاقليمية كما في علوم الرياضيات؛ اذ كان الجهد السعودي- السوري قاعدة جوهرية للديناميكيا السياسية منطلق إرساء رعاية البلدين للبنان في الفترة من 1990 الى 2003؛ واذا كانت سوريا يوما ركنآ اساسيآ لأي محور عربي لا سيما الممانع سعي تثبيت خيارات الامة ورسم استراتيجيتها بمواجهة العدو الاسرائيلي، فإن المملكة العربية السعودية اليوم تتولى زمام القيادة بسياستها وامكاناتها وحضورها على المسرح الدولي، ثقل نوعي كافٍ لمواجهة النفوذ غير العربي والتطرف الاسلامي في المنطقة العربية عامة، بالتالي فإن معادلة السين/ ألف “السعودية-ايران” قد تحل مكان السين/سين “السعودية-سوريا” لتكون عامل استقرار الى امد..!

في نظرية الاحتمال، Probability Theory معضلة الحظ، اذ يعيش الوطن على تقلب حروف حجر النرد، مقامرة بحياة شعب حد انتحار ابناء ربيع العمر.. العجز صنو سفالة حده الادنى رذالة.. انتظار تسوية خارجية ظاهرة او حدث غير منطقي رغم سعي منتظم لا يزال يسجل في خانة اللقاء الخماسي الباريسي، واذ يلوح في بعض مندرجاته احتمالية انعقاده على مستوى الرعيل الاعلى (وزراء الخارجية) عل وعسى، الا ان الحوافز المحلية من مسؤولي اهل البيت معدومة تمامآ..! الضالين المحليين لا وازع يردعهم الا عقاب يسكن خانة الصفر؛ في خضم ازمات الكوكب سراب ديمومة الوطن الصغير علة الممكن، توزيع الاحتمالات بين فدرالية ولا مركزية موسعة الخ… ممارسة مكابرة حد انكار خلط مع بشاعة انفصال تواطؤ اسقاط القيمة الثابتة للبنان الرسالة..
سلوكان يلفحان ارادة البقاء رغم ندرة العقلاء او تغييبهم، يمعنان ضرب مفاهيم العيش الواحد من خلال “قانون الاعداد الكبيرة” وهو في علوم الرياضيات تردد نسبي لحدث عشوائي مبرهن بتوالي الرميات على طاولة السياسة أٰ مارونية، سنية ام شيعية تعاش مرحليآ، فشل اي اعتبار او تعلم، تجارب مئة عام من عمر كيان اغتصبه اهله تباعآ..!

في وضوح التوافق السعودي- الايراني بالرعاية الصينية محور مواجهة عصف التطورات التي تضرب ساحات الاقليم؛ وجوب استغلال الفرصة وطنيآ استنساخ توافق وتفاهم لتجاوز جدار العقم السياسي والمالي والقضائي والاداري الخ… ولو من خلال طاقة ضيقة دفع اهتمام الكبار بالمساعدة والتبني..!
لا تحتاج لياقة التصريح الى تفسير كما لا تحتمل.. وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: “ان اللبنانيين يحتاجون الى تفاهم لبناني-لبناني وليس تفاهماً سعوديا-ايرانيا” هذا ما اكدت عليه الديبلوماسية الايرانية توائمآ، الامر الذي حسم عدم شمول التسوية الساحة اللبنانية الا اذا سعينا..!

أخيرآ؛ الأحلام والكوابيس تظهير واقع يساوي الانعكاسات حقيقة، مما لا شك فيه ان الايجابيات ستثمر عسلآ يمنيآ، لكن الخشية تزاحم دبابير تخرب القفير وتقتل ملكة النحل.. كما انها قد تحجب عن وطن الارز حرائق الصيف القادم الملتهب، والتخوف من مضرمي النيران الذين احترفوا الاشعال يسعدون بتعميم اليباس على الاخضر الصغير..!

بيروت في 17.03.2023