التعليم “أون لاين” بناء صروح بلا دعائم وجيل تنخره الهشاشة…تقييم التجربة

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

وباء كورونا احتل العالم،تسلّل في كل تربة منه وبنى جذورا له.وعند كل عملية بناء، دكّ منظومة او معايير كانت ترتدي أقنعة برّاقة.
الضيف ثقيل الظّل أو العنصر الطارئ على حياتنا،وضع كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها العامة أو الخاصة أمام تحديات جديدة تتلخّص بالسؤال: كيف نواجهه بأقل الخسائر.

الجسم التربوي و”وباء” الانلاين:
أمام هذا التفشّي المتسارع والمتصاعد بأعداده وسلالاته،كان الطلاب على موعد مع تجربة جديدة وفريدة من نوعها.
المدارس الرسمية وبعض المدارس الخاصة،بدأت بالتعليم المدمج خاصة للمرحلة التعليمية الاولى(الروضات حتى الأول ابتدائي).فهذه الفئات الصغيرة يصعب التعامل معها عبر شاشة وضبطها والتفاعل معها.وبعد قرار الإغلاق العام،أصبح كل طلاب لبنان رهائن الشاشات.


والسؤال الذي يطرح نفسه:هل وضعت المدارس خطة متكاملة للتعليم عن بعد خاصة أن العام الدراسي جاء بعد صيف حافل بالحجر المنزلي والإجراءات؟
بالاستماع إلى شهادات عدد من الأهل في مدارس متنوعة(رسمية وخاصة) نجد أن معظم الخطط تتكئ على عكاز وقد تزل في كثير من الأحيان.فنحن في بلد يعاني من ضعف في شبكة الانترنت ومعظم برامج التعليم المعتمدة(zoom،google meet وغيرها) تتطلّب سرعة محدّدة ممّا يجعل الحصّة التعليمية عبارة عن (lost connection).بعض الأهل اختار التخلّي عن الاشتراك في شبكة أوجيرو لعلّ “الخلاص” يكون في الكابلات الخاصة،لكن الضغط الهائل على الشبكات من كل طلاب لبنان يضع العملية التعليمية أحيانا في “العناية المرّكزة”.

صورة الأساتذة “عن بعد”:
إذا وضعنا ضعف الانترنت جانبا وانتقلنا إلى الجسم التعليمي نفسه،كيف انعكست التجربة على أداء بعض الأساتذة والمعلمات؟هل أهّلت المدارس كادرها للتعامل مع البرامج على الحاسوب وإرسال المواد والتعاطي مع الطلاب كافة كما لو كانوا داخل الصفوف؟
لعلّها من أصعب التجارب وأكثرها استنزافا للأعصاب كما عبّرت السيدة “ديالا الجوني” إحدى المعلمات في قسم الروضات.فالمعلّمة تضع بعين الاعتبار أنها مراقبة من قبل الأهل أيضا وليس المدرسة،عليها أن تحافظ على هدوء أعصابها،أن تضبط أطفالا لا تتجاوز أعمارهم الست سنوات.هذه الفئة لا تلتزم بالقوانين،لا تجيد ضبط نفسها وإغلاق الميكروفون حتى يُسمح لها بالكلام،ممكن أن تتمرّد وتبكي وترفض الدرس.أساليب ترغيب هذه الفئة العمرية داخل المدرسة أكثر سهولة:تضع أمامهم بعض الألعاب وأدوات الرسم والأجهزة الحسّية البصرية اضافة إلى اهتمام المعلمة المباشر يعطيها الحافز لتتلقّف بكل سهولة ما يُملى عليها.أما أمام الأجهزة فتتمرّد ويقع على عاتق الأهل التعاون مع المعلمات.بعض الأهالي يبذلون جهودا مع صغارهم كي يؤسسوهم بشكل سليم،والبعض الآخر يرفض القيام بدور “المعلّم” في المنزل ويعتبر أنه يسدّد الأقساط للمدرسة ومن واجبها سدّ أي ثغرة.لذلك لم يعد مستغربا أن تسمع بأن الطفل الفلاني في صف الروضة الثانية مثلا،يُعطى “درسا خصوصيا بأجرة معينة” في المنزل لأن بعض الأمهات ترفضن القيام بدور المعلمة.

جهود جبّارة جديرة بأن تُروى:
وحتى لا تكون الصورة قاتمة بالمطلق،هناك أشخاص في الجسم التعليمي خاضوا المعركة بشراسة ونجحوا في دكّ كل الحواجز مع الطلاب.تسلّلوا إلى قلوبهم بسلاسة وقوة في آن معا وحاولوا استغلال التجربة لتطوير مهارات لدى طلابهم ما كانوا ليكتسبونها لو كانوا على مقاعد الدراسة.
السيدة “هدى الجندي” نموذجا يستحق الإضاءة عليه.فهي كمعلّمة للّغة الفرنسية للمرحلة المتوسطة،أقامت علاقة مميزة مع تلاميذها من خلال تعريفهم على وسائط متعدّدة يمكن استخدامها عبر الحاسوب.اذا،اجتهدت السيدة هدى لتطوير مهاراتها وانسحب هذا على أدائها:فهي تبدو عبر الشاشة هادئة،تسيطر على الوضع،توزع الأدوار بالكلام وتفرض الاحترام ويبادلها طلابها الحب والاهتمام.و”كي لا يكون الدرس جامدا”،تعلّم الطلاب على تحضير مواضيعهم وتقديمها عبر برنامج power point،كما لو كانوا طلبة جامعيين.وكل طالب يقدّم موضوعه،يفسح المجال أمام الآخرين لتقديم النقد الايجابي أو السلبي.هنا نقدّم نموذجا للمعلم الذي يحاول أن يبني ويؤسس في ظروف ضاغطة واستثنائية بكل المعايير.

نهفات الطلاب:
لا يكاد يوم يخلو من رسائل الواتس اب أو الفيديوهات التي تصوّر الطلاب في حالات مضحكة.بعض المدارس اعتمدت مثلا برامج الصوت،فلا وجود لكاميرا مفتوحة تتيح للأستاذ مشاهدة الطالب.فلا نستغرب حينها أن نجد التلميذ ممددا ونصف نائم وهو يستمع بملل إلى الدرس.


ترد للأهل رسائل متنوعة من إدارات المدارس تنبههم مثلا أن أولادهم يلعبون أثناء الدرس لعبة مباشرة مع رفاقهم.بعض من يدرسون على الهاتف،يوهمون عائلتهم أنهم يتابعون ولكنهم في الحقيقة يلعبون لعبة pub g.
هناك امتحانات تُجرى انلاين وعن هذه المسابقات حدّث ولا حرج:تحار اذا كان الامتحان للطالب او للعائلة لأن “بعض الأهل” للأسف يساعدون التلميذ ويجيبون عنه على معظم الأسئلة.يظنّ هؤلاء أن ابنهم بنيله العلامة كاملة بهذه الطريقة سيجتاز العام الدراسي براحة ويجهلون ربما أنهم يبنون هيكلا من كرتون سرعان ما ينهار مجرد عودته إلى المدرسة.
الحديث عن هذه التجربة يطول على أمل أن تنتهي قريبا ويعود تلامذة لبنان إلى مكانهم الطبيعي ويحاول الجسم التعليمي لملمة نفسه مجددا و”ترقيع” ما خلّفته عملية التعليم عن بعد وترميم صدوعها!
——————-
مديرة القسم الثقافي في الموقع