التحالف الدفاعي الإسرائيلي – العربي المستجد..!!

 

بقلم العميد منذر ألأيوبي *

بعد مسار لا سابق له في تاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي سلكته عدة دول عربية و خليجية، تمثل في خطوات التطبيع Normalization بمعنى اقامة علاقات مع الكيان الصهيوني و اجهزته و مواطنيه سياسيآ و اقتصاديآ الخ.. و بالتالي تجاهل او تهميش لا بل تهشيم حالة العداء و ممارسات الاحتلال و التمييز العنصري و الحصار المفروض على الشعب الفلسطينيي، وسط صمت عربي مدوٍ او استنكار خجول في افضل الاحوال. بدأت مرحلة متوقعة مفترضة و متطورة لتأسيس تحالف دفاعي- أمني يكمل حلقة الرباط السياسي و الاقتصادي يشمل دولآ عربية خليجية (الامارات- البحرين.. ) لا سيما بعد اقامة علاقات ديبلوماسية مع دولة العدو العام الماضي، شملت افتتاح سفارات و تبادل سفراء. لكن اللافت ايضآ ما اورده احد المواقع العبرية نقلآ عن مطلعين: «ان المملكة العربية السعودية الغير مرتبطة بعلاقات رسمية معلنة مع اسرائيل ستنضم الى التحالف، و ان هذا الامر تم التفاهم عليه بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و رئيس الوزراء نتنياهو خلال زيارة سرية قصيرة قام بها الاخير في 22.10.2020 الى مدينة نيوم السعودية رافقه خلالها رئيس الموساد يوسي كوهين و بحضور وزير الخارجية الاميركية آنذاك مايك بوميبو».

في سياق متصل، إثر وصول سفير الامارات العربية المتحدة الى اسرائيل، كان دافعآ ما أعلنته قناة i24news الإسرائيلية في احدى نشراتها الاخبارية الاسبوع الماضي “أن تل أبيب توجهت إلى كل من السعودية والإمارات والبحرين لبناء تحالف أمني دفاعي اقليمي على غرار حلف الناتو، للتعامل مع التهديد الإيراني المتزايد في المنطقة”، ليكشف وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس” -دون الدخول في التفاصيل- عن النية إقامة “ترتيب أمني خاص” مع دول الخليج العربي التي لها علاقات مع إسرائيل وتشاركها المخاوف بشأن إيران
تاليآ استقبل الثلاثاء الماضي رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو السفير الاول لدولة الامارات في تل ابيب محمد آل خاجة، و مع اسقاط التعابير العامة و المجاملات البروتوكولية يمكن تلخيص اللقاء بعبارة واحدة قالها نتنياهو « نحن نغير الشرق الاوسط، نحن نغير العالم». لكن كلمة “نحن” تحتمل تفسيرين، اذ قد تعني النطق باسم الفريقين (العربي الاماراتي و الاسرائيلي) او النطق بإسم اسرائيل بمفردها و هو المرجح لا بل المؤكد.!

ماذا في اهداف التحالف الدفاعي الرباعي .؟ اضافة الى العبارة التقليدية (حماية المصالح الاقليمية المشتركة) و دون التطرق الى الهوامش، فإن الهدف الاساسي الاستراتيجي يتمثل في منع ايران من التحول دولة نووية و كبح برنامجها المتعلق بالصواريخ الباليستية IBMP، كذلك مواجهة تنامي نفوذها و تهديداتها في الشرق الاوسط و تمدد اذرعها العسكرية في سوريا و العراق و لبنان و اليمن.!

تزامنآ، كانت لجنة اسرائيلية مصغرة يشرف عليها وزير خارجية اسرائيل “غابي أشكنازي” تتواصل في الكواليس مع الادارة الاميركية لايجاد قناة تنسيق فيما يتعلق بمراحل و بنود عودة الولايات المتحدة للانضمام الى الاتفاق النووي مع ايران JCPOA و إن معدلآ. بالتوازي سربت مصادر اسرائيلية “أن السعودية قلقة” من قرارات قد يتخذها الرئيس جو بايدن فيما يتعلق بالعديد من الملفات: “حقوق الانسان ، حظر مبيعات الاسلحة ، وقف الحرب اليمنية” الخ…
و ان فتحها خطوط الاتصال مع “تل أبيب” في هذه المرحلة يهدف الى تخفيف الاضرار و تنسيق الاستجابة و التعامل مع الادارة الاميركية الجديدة.

من جهة اخرى؛ مما لا شك فيه ان التحالف الدفاعي Defensive Alliance سيرفع نسبة التوتر في الاقليم، اضافة الى ان اي تواجد عسكري اسرائيلي في دول الخليج سيجعل منه هدفآ لدى الايرانيين عند نشوب نزاع او اندلاع حرب محتملة.
سؤال آخر يطرح في بداهةً هذه العجالة ؛ اذا كان الحلف الدفاعي او العسكري مع بعض دول الاقليم لا سيما الخليجية منها امر سعت و تسعى اليه اسرائيل، فلماذا لا تقيم حلفآ دفاعيآ مع الولايات المتحدة الاميركية.؟
تعتبر القيادة الاسرائيلية ان مصلحتها الاستراتيجية العليا في انشاء الحلف الدفاعي العربي يُطلِق يدها و يؤمن لها تسهيلات تعزز من قدرتها مواجهة طهران، على سبيل المثال: “استخدام المنشآت أللوجستية او الموانيء العسكرية ، عبور الطيران الحربي الاسرائيلي اجواء هذه الدول الخ..” اما الارتباط بحلف دفاعي مع الولايات المتحدة فلن يشكل عنصر ردع اضافي، اذ ان سلبياته اكثر من ايجابياته، فهو سيثير أولآ حفيظة روسيا المتموضعة قواتها في سوريا، كما سيقيد على سبيل المثال قدرتها الهجومية و ضرباتها الجوية التي تشنها على القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري الايراني او الفصائل المسلحة او جيش النظام، كما سيلزمها التنسيق العملياتي المسبق مع القيادة الاميركية المركزية الوسطى CENTCOM و مع الرعيل الاعلى Upper Generation “ألبنتاغون” عند الاقتضاء وفقآ للصلاحية، و هذا ما لا تريده او لا حاجة له اساسآ، اذ ان التعاون الاستراتيجي القائم بينهما عميق و صلب.

اما ايران الموضوعة تحت المهداف Sight الاسرائيلي مع مراقبة معدل الانسياق Drift Rate نحو النووي، فتعتبر تأسيس هذا التحالف الاستراتيجي مساسآ بأمنها القومي، كما انه يشكل تهديدآ لامن الخليج الفارسي و الممرات البحرية. في هذا السياق لا يمكن اعتبار تأسيس التحالف ترجمة لقدرة عسكرية هشة او ضعف في البنية الامنية أفقيآ و عاموديآ للدول الاعضاء.. لكنه يدخل ضمن سياسة المحاور الناتجة عن تماثل الاهداف الاستراتيجية (العدو المشترك، المصالح المشتركة، الخ..).

في المستجِد ألمُحَفِز؛ The Catalytic and Novelty يبدو ان التحالف الدفاعي الرباعي نوع من صياغة جديدة او نسخة مصغرة لما طرحه و فشل قي تحقيقه الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، لاجل تأسيس ما سمي آنذاك MESA “تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي”، الذي رُمِز لاحقآ على سبيل التشبيه Arabic NATO، و كان سيضم ثماني دول عربية تنتمي شعوبها الى المذهب ألسُني هي دول مجلس التعاون الخليجي اضافة الى الاردن و مصر، و ذلك بهدف الوقوف بمواجهة ايران الشيعية اولآ و الجماعات الارهابية المتطرفة ثانيآ، اضافة الى امكانية تقليص التموضع و التواجد العسكري للقوات الاميركية في الاقليم، و بالتالي تخفيف الجهد العسكري، مع الحفاظ على المصالح الاميركية و استقرار المنطقة. اما الاهداف الغير مباشرة فَ كثيرة متشعبة، لكن موجزها الاساسي فيتمثل بانضمام اسرائيل اليه؟ كمقدمة لخطة و آليات التطبيع مع دول الخليج العربي، كما سيدفع MESA الدول الخليجية الى رفع موازنات و مشتريات الاسلحة الاميركية بغية دعم منظوماتها الدفاعية.


إستطرادآ؛ من الواضح على خلفية تصريحات المسؤولين الايرانيين، ان التحالف الدفاعي Arab-Israeli Defence Coalition الجديد لن يدفع ايران الى التساهل في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة و الاتحاد الاوروبي، اما في حال فشلها “المفاوضات” و إبقاء العقوبات الاميركية المفروضة عليها “ايران” و هو امر غير مرجح، فسيؤدي ذلك الى خرق بنود الاتفاق النووي و استئنافها عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% مع منع مراقبي الهيئة الدولية للطاقة النووية من تفتيش منشآتها، كما ان برنامجها الصاروخي سيتطور و هو حقق تقدمآ مطردآ بعد الانتقال من مرحلة تكتيك “الإمطار الصاروخي” Missile Rain الى مرحلة الدقة مع استخدام التقنيات الذكية في التوجيه و اصابة الاهداف.! أما حلفائها او أذرعها العسكرية في الاقليم فستعمل و تواصل رفع مستوياتهم القتالية و نوعية تسليحهم بما يؤدي الى انتصارهم او على الاقل صمودهم في الحروب “اللا تناظرية” Asymmetr Wars او الغير متكافئة التي تخاض على ساحات و جبهات الاقليم المتعددة.

في البيت الابيض، تبدو استراتيجية الرئيس جو بايدن على قدر كبير من العقلانية و الصرامة في آن معآ مقارنة بالادارة السابقة، فالخطوط العريضة لاستراتيجية الامن القومي التي سيعتمدها في الاقليم (النسق المزدوج) Double Pattern تقضي بحماية حلفاء اميركا و مصالحها الاستراتيجية، تعزيز القدرات القتالية للقوات الاميركية في اماكن انتشارها، منع النشاط العسكري للحرس الثوري الايراني و قمع الهجمات التي تشنها الميليشيات المتحالفة على القواعد العسكرية في العراق و سوريا، بالتوازي مع التزام مبدأي وقف سياسة “الضغط الأقصى” و اعتماد الديناميكية الديبلوماسية لمعالجة الملفات الاقليمية العالقة.!

ختامآ؛ ماذا عن فلسطين المحتلة.؟ من حيث الشكل، يؤكد وزير الخارجية الاميركي Antony Blinken ان الرئيس لن يعود عن قرار إدارة سلفه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.اما من حيث المضمون المعلن، فوفق تصريحاته ألمؤرشفة ءخلال حملته الانتخابية الرئيس بايدن يرفض القرارات الآحادية الجانب بضم اراض محتلة، كما انه يؤيد التطبيع رافضآ صفقة القرن، مقتنعآ بأن التسوية الوحيدة للنزاع القابلة للاستمرار و الحياة تكمن في حل الدولتين، بما يعكس الحقوق المشروعة وطموحات الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. هذا ما عبر عنه او اكده Richard Miller القائم باعمال السفير الاميركي لدى الامم المتحدة قائلآ: «أن بايدن يؤمن بمسار تفاوضي يؤدي لحل الدولتين حيث تعيش إسرائيل في سلام وأمان إلى جانب دولة فلسطينية تنعم بمقومات البقاء»..!

*باحث في الشؤون الامنية و الاستراتيجية .
بيروت في 06.03.2021