البُعد الآخر للحرب الروسية- الاوكرانية.!!

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

لا تزال الحرب الواسعة التي يشنها الجيش الروسي على اوكرانيا تتصدر وسائل الاعلام، كما اهتمام حكومات الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية الاوروبية الساعية بحثآ عن مزيد من حزم العقوبات الاقتصادية والمالية الخ.. لإنتفاء قدرة مواجهة عسكرية تقليدية مباشرة او ارادة فتح الصوامع النووية الطريق الاقصر نحو الابادة الجماعية وفناء البشرية. اعترافآ ضمنيآ على مضض بحرمة المدى الحيوي لدولة عظمى، لا مجال للمساس بامنها القومي او مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية..!
تاليآ؛ لا ضرورة للتوسع في الاسباب التاريخية والجيوسياسية للأزمة اساسآ؛ ف “الغوغلة” كفيلة بشرحها وتحديد ابعادها؛ كما تزك تفاصيل ومجريات الميدان وتحركات القوى العسكرية حيز اجادة قراءة لمحللين عسكريين سواءً من اماكن التقدم المرتقبة الى خطوط التراجع الممكنة وبقع الروع المحتملة، إن باعتماد تكتيك الهجوم المباشر حينآ او القتال التأخيري احيانآ أُخَر…الخ
لكن في البعد الثاني عمومآ ما هو أقسى وأمَّر؛ نرى البشرية قبائل وشعوب واعراق خاضت آلاف الحروب وشهدت من المذابح والمآسي ما يدفع المرء الى كفر لا ارادي. ان طرحت علامات استفهام فتساؤل عن اسباب؛ نزوع فطري نحو شر معتنق الكراهية من سَفاحٍ وسِفاح؛ تعجب من قناعات بعيدة عن اخلاقيات ومباديء انسانية، تخالف المنطق التسووي رغبة إفناء فريق وتسيد آخر…
وإذ قرأ العقل نتيجة واحدة نسبية الحق في انحناء الزمن وصوغ الحقيقة؛ تفاوت كمي ونظري بين خير وشر؛ قاتل ومقتول يتبادلان دور الضحية منذ ابناء آدم “قابيل وهابيل” كما ورد في الصحف الاولى..!

 

إستطرادآ؛ ارتكب عالم الطبيعيات Physique البرت اينشتاين خطأ جسيمآ عندما وضع نظرية النسبية للفيزياء الحديثة مهملآ او متناسيآ بحثآ لعثور على نسيبتها الانسانية “نسبية العدالة”…. وإذ ان الحدس والتنبؤ كما الرأي والافتراض صفات لاية نظرية عند العامة؛ لكنها النقيض لدى العلماء، فوجهة العلم مسلك اكتساب المعرفة، طريق إستقراء وإستنباط؛ منطق الامور بين النظرية والحقيقة تسلق نحو اليقين..!
بين موسكو وكييف تفاضلية جيوسياسية؛ طريق تعبد بالدماء والدموع، لكنها لا تفيض عن مآسٍ أُخر في فلسطين واليمن وغيرهما الكثير..! اذ بين نسبية الحق وعظمة الحقيقة فاصل انساني والظلم وجهة نظر..!
واذ تحاول الفيزياء فهم الظواهر الطبيعية كالقوى والحركات المؤثرة في سيرها ثم صياغة المعرفة؛ فإن فنتازيا النقاشات الجدلية حول الصراعات الحضارية الدينية والثقافية لطالما دخلت ضمن نسبية اعتباطية ايضآ.. اما التبرير الصارم لاستراتيجيات القوى الكبرى “روسيا؛ الولايات المتحدة الخ..” فنماذج تُحقَق بالقوة العسكرية او الاقتصادية، غير قابلة لمقاربة الحلول
سلمآ الا ما ندر..!
من جهة اخرى؛ تبدو العملية العسكرية للقوات الروسية متحركة بالساعات على وقع جنازير المدرعات، نهايتها المرتقبة الوصول الى الاهداف المرجوة دون كثير مبالاة لتراكمية عددية من ضحايا
او خسائر.. اذ ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ قراره البراغماتي في لحظة مؤاتية تتناسق مع استراتيجية مقررة مسبقآ؛ خارطة طريق حددت الرؤية والمهمة والهدف. سقوط اوكرانيا -وفق نظرية “الثقالة” Gravity للعالم Newton- بالجاذبية الروسية اصبح على ما يبدو امرآ محتمآ، لم يعد من مجال للتراجع، كما لا امكانية لتَحَمل روسيا زرع منظومات الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى “من 500 الى 5000 km” التابعة لحلف شمال الاطلسي NATO على حدودها الغربية الشمالية والجنوبية؛ لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2002 من معاهدة ABM المتعلقة بالحد من انظمة الصواريخ المضادة للباليستية النووية والتقليدية…!

في قراءة الرئيس فلوديمير زيلينسكي قرار مقاومة الجذب مؤداه خطأ جسيم نوع من انتحار انغماسي نتاج مراهقة اوكرانية مدفوعة اوروبيآ تظهير ولاء للعم الاميركي.. ضحالة الفكر السياسي او تجاهل خيار ان تحييد البلاد اتقان مناورة لا استسلام والنأي مهارة بقاء، ضمان حفاظ او التزام آلية محورية غير ماسة بالاستقرار الإستراتيجي الاقليمي، قدرة على التعامل مع التطورات والتفاعل مع المستجدات، تصب تاليآ في خانة استمرارية كييف Kyiv عنصر في ثلاثية تكافؤ Valence مع موسكو وواشنطن..
في لعبة الاحلاف، مداعبة غير محمودة العواقب لا مبرر لها مع العملاق لا سيما ان مسرحها حديقته الخلفية.. ارباك غير عقلاني لتوازن كفتي القوة على ارض القارة العجوز حيث الطلقة الاولى دائمآ، تفاديه سعي ارادي متوجب الفعل على خلفية عامل الجغرافيا الثابت دون تناسي التاريخ ومتغيرات الواقع الديموغرافي والقومي..!
في مصير الكون مسألة لا تزال مفتوحة موت مرتبط بكثافة المادة والاشعاع؛ اما الحرب الدائرة حاليآ فحلقة مغلقة، تعني اوروبا لكن تأثيراتها تطال نواة الكوكب ومحوره، قد تدفعه الى نهاية “ابوكاليبسية” Apocalypse توقفه عن الدوران ..!

خِتامَآ؛ قد يكون جميعنا “سيزيف” Sisyphus لا نستطيع ان نخدع اله الموت بحسب الميثولوجيا الاغريقية.. الانسانية مرتخية حالة مائعة متزامنة مع فقدان الذاكرة، الثواني تتساقط مع الابرياء فيها المواقف نسبية من الزمن ما يشبه نظرية أينشتاين.. يبقى الانسان بوضاعته يعيش هذه الحياة يحارب فيها ولأجلها مع علمه ان هذا كله زائل وبلا جدوى..!

بيروت في 04.03.2022