البطل..ولو في الخيال بطل

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

البطل والبطولة وانعكاساتها في الآداب المختلفة
سواءً أكان مصاغاً من أصل حقيقي أم كان من نسج الخيال جملة وتفصيلاً، يبقى البطل واحد: إنه القادر على القيام بعمل لا يستطيع غيره القيام به. وفي حياة كل فرد ومجتمع هناك بطل أو أكثر، يمثِّل القدرة البشرية في ذروتها. إنه البارز والمميز.
البطل في التراث العربي:
تعامل العرب منذ القدم مع البطولة باعتبارها واحدة من أسمى الصفات، ونظروا إليها من أكثر من زاوية: فالإعلاء من شأن البطولة هو إعلاء لشأن الفروسية والشجاعة والإقدام، وهي صفات ظلت مطلوبة في أوساط القبيلة العربية المهددة دائماً بالغزو والسلب.
وتظل قضية الشاعر والفارس الأسود عنترة العبسي قصة استثنائية في حياة العرب قبل الإسلام، فلم يُعترف قومه ببطولته برغم بطولاته وذوده عن قبيلته بسبب سواده وعدم اعتراف والده شدّاد به، فلمّا اعترف به، اعترفت ببطولته قبيلته، فالبطل الحقيقي هنا هو صاحب الحسب والنسب المعروفين إضافة إلى بطولاته في الحرب.
وقد حمل إلينا التراث العربي القديم صوراً كثيرة عن فرسان أبطال خلدت قصائد الشعراء أفعالهم وسيرهم، وهم يدافعون عن الحق والفضيلة ويقدمون نموذجاً يكاد يكون مثالياً للشخصية العربية في تلك المرحلة.
البطل في التراث الأوروبي الكلاسيكي:
والأبطال الذين أنجبتهم خيال الآداب والفنون الأوروبية هم أكثر عدداً من أولئك الذين أنجبهم الواقع. فملحمتا الإلياذة والأوديسة والمسرحيات الإغريقية كلها تقريباً، تدور حول البطولات وسِير الأبطال. وفي هذا الأدب، تأسس المفهوم الأوّلي للبطل ومقاييسه التي ظلت قائمةً في أوروبا حتى القرن التاسع عشر. إنه الرجل مفتول العضلات، القادر على استخدام السلاح بمهارة، الجسور، الذكي، الشهم، يعيش بطولته طوال أيام عمره.
ولو راجعنا محتوى المسرح الأوروبي الكلاسيكي في القرنين السابع والثامن عشر، لوجدنا معظمه يتناول شخصيات قيادية مميزة تواجه تحديات مصيرية مثل هاملت وماكبث عند شكسبير الإنكليزي، وكما هو الحال في أعمال الفرنسيين كورناي وراسين اللذين استوحيا معظم موضوعات مسرحياتهما من التراث الكلاسيكي اليوناني وأبطال إلياذة هوميروس.
البطل في الشعر العربي:
الدارسون لشعر البطولة العربية، أو ظاهرة البطل في الشعر العربي، قديمه وحديثه، يجدون صورتين واضحتين لا تتقاطعان مع بعضهما وقد تكمل إحداهما الأخرى.
الصورة الاولى هي أن يقوم الشاعر الفارس بالإعلان عن فروسيته وشجاعته وسمات بطولته بنفسه ومن خلال قصائده. يقول الشاعر عنترة العبسي:
ملأت الارض خوفاً من حسامي وخصمي لم يجد فيها اتساعا
وفي موقف مشابه يقول شاعر العربية المتنبي:
الليل والخيل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
الصورة الثانية هي أن يذهب شعراء آخرون لتخليد صورة البطل في قصائدهم، سواء كتبوا عن أبطال معروفين بأسمائهم، أو عن البطولة بشكل عام، من أجل تعميم هذه الصورة بين الناس.
وهنا نستعرض هذه الصورة الرائعة التي رسمها المتنبي لسيف الدولة الحمداني ذلك البطل الفذ الذي قاد أمته إلى النصر في معارك مؤزرة ضد الروم وذلك ميدان آخر من ميادين البطولة وهي البطولة الحربية. يقول المتنبي :
يكلف سيف الدولة الجيش همه وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك ما لا تدعيه الضراغـــم
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائـم
تمر بك الأبطال كلمى هزيلـةً ووجهك وضاح وثغرك باســـم
ومن طلب الفتح الجليل فإنما مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
البطولة في عصر النهضة:
في مطلع عصر النهضة، شهد الوطن العربي معارك طاحنة مع الاستعمار. وقد برز من خلال هذه المعارك أبطال ومقاتلون أشداء سجل لهم التاريخ بطولاتهم وتضحياتهم وكان عمر المختار أحد هؤلاء الذين انتزعوا إعجاب الأجيال. وهذا الشاعر أحمد شوقي يؤكد أن البطولة لها دور كبير في بث روح التضحية والفداء لدى المناضلين يقول:
ركزوا رفــاتك في الرمــال لواء يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبوا منـــاراً من دم يوحي إلى جيل الغـد البغضاء
جرح يصيح على المـدى و ضحية تتلمــس الحــرية الحمراء
فالصحارى غمـــد كل مــهند أبلى فأحســـن في العدو بلاء
خيرت فاخترت المبيت على الطـوى لم تبن جاهـاً أو تلـــم ثراء
إن البطولة أن تموت من الظمــأ ليس البطولـــة أن تعب الماء
وحينما يكون الأمل في تحقيق النصر ضئيلاً بسبب التفوق الكبير للمعتدي في العدة والعتاد ، وحينما يكون الاستسلام والخضوع لقوة القهر أمراً مهيناً تبرز بطولة من نوع خاص وهي بطولة الكرامة والإباء وهذا ما بدا واضحاً في البطل الشهيد يوسف العظمة الذي آثر الموت من أن يرى عدواً مغتصباً يدنس بأقدامه ثرى وطنه. ويقدم إيليا أبو ماضي صورةً لهذا النوع من البطولة :
بأبي وأمي في العرئم والســـد بعث الحياة مطامحاً ورغابا
لما ثوى في ميسلون ترنحــت هضبــاتها وتنفست أطيابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى كي لا يرى في جلق الأغرابا
وإذا نبى العيش الكريم بماجــد حر رأى الموت الكريم صوابا
وفي قصيدة للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان يقول فيها متحدثاً عن الفدائي – البطل، الذي احتل مساحة واسعة في وعي الجمهور:
هـــو بالبـــاب واقــــف والــردى منــه خائــف
وفي الزمن العربي المعاصر صار الشهيد هو البطل الذي لا ينازعه حضور في وعي الناس، وقد امتلأت صفحات ديوان الشعر العربي بقصائد لا حصر لها تتحدث عن الشهيد والشهادة، باعتبارهما صورة عالية المقام من صور البطولة والفداء، التي تتراجع أمامها صور كثيرة تتحدث عن البطولة والأبطال في التاريخ العربي.