الاقنعة البشرية متعددة … كيف قاربتها الآداب؟

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

كثيرة هي الأقنعة البشرية فكيف جسّدتها الآداب؟
إنه الوجه المزيَّف الذي يلف بالغموض الوجه الحقيقي. ولأن ملامح وجه الإنسان تشكِّل الهوية المميزة لشخصه عن كل الآخرين، فإن تغطية هذه الملامح بأخرى غير حقيقية يصبح تعبيراً عن وجود دافع ما إلى ذلك، وكثيراً ما يكون هذا الدافع مثيراً للقلق.
فالإنسان بطبعه عدو ما يجهل، فكيف الحال إذا كان ما يجهله هو في هوية شخص على تفاعل معه؟ ولهذا، فإن وقع كلمة “القناع” في النفس يثير الحذر من المجهول والغامض، من الهوية المزيفة والدوافع إلى تزييفها. وبخلاف الصور الكثيرة التي يمكنها أن تخطر على البال عندما نسمع كلمة “قناع”، فإن مجرَّد سماع الكلمتين “شخص مقنَّع” ترتسم في الذهن فوراً صورة جريمة ما، وتحديداً السرقة بكافة أشكالها. فمن الطبيعي أن يخشى اللص افتضاح هويته، وإذا ما أحسَّ أن هناك أي احتمال بأن يُشاهد، لجأ إلى القناع الذي يُخفي معالم هويته.
استخدم القناع ولا يزال يستخدم منذ آلاف السنين كحاجب لحقيقة الهوية. طوَّر الإنسان خلال آلاف السنين أنماطاً من الأقنعة لا حصر لها ولا صلة ما بينها. فصنعها من الذهب والخشب والنباتات والأقمشة والبورسلين والبرونز والورق والبلاستيك. واقتصر أحياناً في تزويدها على فتحات للأنف والعينين، وزوَّدها أحياناً بمناظير إلكترونية ومصافٍ للغازات السامة أو الجراثيم.
القناع في المسرح:
من المؤكد أن الإغريق استخدموا الأقنعة خلال تأديتهم لبعض طقوسهم الوثنية، ولكن ما هو أهم من ذلك هو في كونهم أول من حمَّل القناع وظيفة ثقافية وفنية بحتة بعيداً عن أي طقس وثني، وذلك من خلال اعتماده في فن المسرح، الذي كان بدوره من ابتكاراتهم الكبرى.


ففي المسرح اليوناني القديم، كان كل الممثلين يرتدون أقنعة ما عدا عازفي الناي. والسبب في ذلك هو أن هؤلاء كانوا يؤدون مسرحياتهم في الهواء الطلق على مدرجات عامة وكبيرة، بحيث يصعب على الجالسين بعيداً رؤية تعابير أوجههم، فكانوا يرسمون هذه التعابير بأشكال مبالغ فيها على الأقنعة بحيث تصل الرسالة إلى الجميع. كما أن استخدام القناع كان يُغني عن استخدام ممثلين كثيرين، إذ يكفي أن يغيِّر الممثل قناعه لتأدية أي دور آخر.
ومنذ ذلك الزمن، ظل القناع حاضراً أينما حضر المسرح. وشهد القرنان الثاني عشر والثالث عشر إطلالة لفن مسرحي وعظي عُرف باسم “مسرح اللغز”، تمحور حول الفضائل والمساوئ الأخلاقية، وكان استخدام القناع ضرورياً للتعبير عن قبح الأشخاص الذين يرتكبون المعاصي.
وفي تلك الفترة، كان العرب قد طوَّروا فناً ترفيهياً يقوم على الإضحاك، ويؤديه بهلوانيون ومهرجون اعتمدوا طلاء الوجوه بألوان زاهية. ومن هذا الفن الساخر، سمّي طلاء الوجه بغية تغيير ملامحه بـ “المسخرة”، ويرجّح الكثيرون أن تكون هذه الكلمة العربية أصل التسمية اللاتينية “ماسكارا”، التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم في عالم التجميل للمساحيق التي توضع حول العينين، والأهم من ذلك، أصل كلمة “ماسك” الإنجليزية والفرنسية التي تعني “القناع”.
القناع في الشعر:
بعيداً عن تعداد أبيات الشعر العربي التي ورد فيها ذكر القناع أو اللثام بشكل مجازي، نتوقف أمام هذه المفردة من خلال كتاب للناقد السوري رعد زبيدي بعنوان “القناع في الشعر العربي المعاصر” يتناول فيه عدداً من الشعراء الذين نجحوا في استخدام “القناع” في قصائدهم مثل بدر شاكر السياب وخليل حاوي وأحمد عبدالمعطي حجازي وصلاح عبدالصبور وعبدالوهاب البياتي وغيرهم.
القناع عند أبطال الكرتون:
نعرف العديد من أبطال رسوم الكرتون، ولكننا لو تطلعنا إلى جردة كاملة بكل ما أنتجته مخيَّلة مؤلفي الكتب المصوَّرة خلال القرن العشرين وفي أمريكا وحدها، لوجدنا أن عدد هؤلاء الأبطال المقنعين يزيد على الخمسين، وقد طغت شهرة بعضهم على الآخرين بفضل تصويرهم سينمائياً، مثل “الرجل الوطواط” و”الرجل العنكبوت”.
القناع عند هؤلاء الأبطال هو مجرد أداة شاعرية تطمس المعالم الإنسانية الحقيقية والواقعية، لتجعل البطولات الخارقة التي يقوم بها المقنَّعون قابلة للتصديق، أو على الأقل تضعها في إطار لا يحتمل النقاش، طالما أنه لا يزعم لنفسه أية صدقية.
أما أشهر أقنعة أبطال الكرتون فهو بلا شك قناع “زورو” البطل المكسيكي الذي رفع لواء نصرة الضعفاء والمظلومين ضد سادتهم من إقطاعيين وإسبان. ونظراً لأن الثقافة اللاتينية تحرص على اعتبار البطل وسيم الخَلق حكماً، صيغ قناع زورو من قطعة جلد أو قماش سوداء تغطي ما حول العينين فقط حتى يبقى من الوجه ما يؤكد هذه الوسامة.