الاقليم على حبل مشدود بين قمتين..!

بقلم العميد منذر الايوبي *

لم تكن زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى منطقة التوتر الشرق اوسطية اكثر من زيارة رعوية ذات طابع استكشافي سواء في الشكل او المضمون، ويألإيجاز دون الهوامش التفصيلية يمكن ادراج ما يلي:
-في تل ابيب تعهد امام رئيس الكيان الغاصب إسحاق هيرتزوغ ورئيس الوزراء يائير ليبيد بـ “إعطاء دفع جديد لعملية اندماج إسرائيل مع دول التطبيع العربية التي انضم اليها خلال العامين الماضيين كل من الإمارات، البحرين، السودان والمغرب ، اضافة الى كبح البرنامج النووي الايراني النشط والحيلولة دون حيازة ايران السلاح النووي؛ اما في الشق العسكري فتجديد الشراكة فيما يتعلق “بأنظمة الدفاع الأكثر تطورآ” – نظام الليزر المضاد للصواريخ والمسيرات AN/SEQ-3 Laser Weapon System.!.
-في بيت لحم إثر لقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وبعبارات جوفاء عاقر، جدد التزام واشنطن العنوان العريض “حل الدولتين الذي يشمل وجود دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة ومتصلة جغرافيا”. مستدركآ التعزية في التطبيق “انه يبدو امرآ بعيد المنال حاليآ بسبب القيود التي تفرض على الفلسطينيين”، مانحآ مبلغ 300 مليون دولار للأونروا ومستشفيات القدس..!


-في الملكة العربية السعودية كان لقاءه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قصر السلام نوع من تقارب تنسيقي في هدفه ترميم العلاقات الثنائية وازالة الجفاء على مسلك ديبلوماسية “غسل القلوب” تطوي الندم.. وفي كلمته امام المشاركين في القمة الاقليمية التي ضمت المملكة السعودية ومجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى مصر والعراق والاردن كرر الرؤية الاستراتيجية لواشنطن على الصعيد الاقليمي..
(أن بلاده ستبقى منخرطة بالكامل في الشرق الأوسط ولن تترك الساحة لقوى عالمية أخرى كي تمارس نفوذها.لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران) مضيفآ أن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي..! مطالبآ في آن بزيادة فورية لانتاج النفط والغاز بما يضمن اطفاء لهيب الاسعار ومعالجة عطش الاسواق الاوروبية للغاز الروسي..!

تزامنآ؛ ما كادت طائرة الرئيس الاميركي تقلع من مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة حتى هبط “الكرملين الطائر” Ilyushin 300-96 في مطار مهراباد بالعاصمة الايرانية طهران وعلى متنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين كان سرب الطائرات المقاتلة Sukhoi-35 المرافق ينكفئ الى اجواء بحر قزوين؛ وعلى مدرج المطار كانت السيارة الرئاسية Aurus Senat “الوحش الزاحف” تنتظره الى لقاء الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي..!

في نفس السياق؛ تضاعفت اهمية الزيارة بوصول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حيث عقدت قمة ثلاثية روسية ايرانية تركية بحثت العديد من الملفات لا سيما:
-تذخير الوساطة التركية بالمحددات الروسية المقبولة لفك الحصار المفروض على صادرات الحبوب والاسمدة الاوكرانية من موانيء البحر الاسود؛ والتي ادت الى كسر الجمود في هذا الملف واثمرت لاحقآ واستنادآ لها “المحددات” الى توقيع اتفاق اسطنبول الثلاثي الروسي، الاوكراني، التركي برعاية الامم المتحدة، بما يضمن تصدير 5 ملايين طن متري شهريآ وبالتالي تخفيف حدة أزمة الأغذية العالمية المتنامية والتي ازدادت سوءا بسبب العملية العسكرية الروسية..!
-تفادي العملية العسكرية التركية التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية والمقاتلين الاكراد في مدينتي منبج وتل رفعت لإنشاء المنطقة الحدودية العازلة والآمنة.. إذ حذر بوتين ورئيسي اردوغان من مغبة شن الهجوم لعدة اسباب منها: تلافي موجة نزوح جديدة، الاتفاق الروسي مع الاكراد، تعزيز قوات النظام بالاسلحة الثقيلة والصاروخية..!
وفي حين أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي خلال استقباله إردوغان أن عملية عسكرية تركية “ستعود بالضرر” على سوريا وتركيا والمنطقة، اعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو انه “يمكننا تبادل أفكار، لكننا لم ولن نطلب مطلقا إذنا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب”..!
-العودة الى العاصمة الكازاخية نور سلطان ومتابعة مسار “عملية أستانا للسلام” الرامية لإنهاء النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، مع تعزيز الجهود لإنجاح المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، بما يتوافق مع قرار مجلس الامن الدولي 2254 ومندرجاته..! وفي البيان الختامي الثلاثي ورد: “أن روسيا وتركيا وإيران تجدد التزامها بوحدة أراضي سوريا، ومواصلة التعاون ضد المخططات الانفصالية التي تهدد سيادة سوريا والأمن القومي لدول الجوار”..!

من جهة اخرى؛ يمكن استخدام توصيف جديد لقمة طهران “قمة التناقض الايجابي” Positive Contrast وفق ما تفرضه الموضوعية السياسية: ففي حال اتت (القمة) ردآ على زيارة الرئيس الاميركي للمنطقة فتركيا حليف وعضو اساسي في حلف شمال الاطلسي..! كما ان عدم مشاركتها او استبعادها عن قمة جدة الاقليمية يضعها في مدار مختلف ضمن استراتيجية واشنطن..!
ان استبعاد سوريا صاحبة القضية الاساسية عن القمة الثلاثية يضعها في فلك التبعية لكل من موسكو وطهران، نوع من منح وكالة حصرية في تقرير المصير (البيع والشراء) مع الاحتفاظ بحق الاستثمار لمدى الحياة “الفيتو” عند الاقتضاء..! في المجال العسكري اتت “صفقة الطائرات الايرانية المسيرة” بين موسكو وطهران لتغير قواعد اللعبة على المسرح الاوكراني وذلك في رد واضح امام اردوغان على تزويد انقرة الغريم الاوكراني بالطائرات المسلحة دون طيار نوع “بيرقدار” Bayraktar Mini UAV التي أثبتت نجاعتها واعتبرت عاملآ حاسمآ ” في المراقبة والسيطرة والتدمير طيلة الحرب الجارية منذ 24 فبراير الماضي. اذ ستزود إيران روسيا بالمسيرات الخفية Simorgh، وهي نسخة محدثة عن الطائرة الأميركية RQ-170 Sentinel التي تحطمت في إيران عام 2011. قادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية والتشويش على الدفاعات وتدمير الاهداف بدقة وفعالية..
استطرادآ؛ قد تمثل قمة طهران ردآ “خارج الصدفة” على جولة بايدن الشرق اوسطية، لكنها في الاساس تدخل ضمن التحالف الاستراتيجي بين موسكو وطهران اضافة الى توطيد المسار التنسيقي الموازي مع انقرة، اما المعالجات ف بالمفرق..!

في المتغيرات، تخمة وتسارع دون اتساق حد اصطدام الذرات العشوائي.! المنطقة في حالة انعدام الوزن بين محورين متنازعين والامتداد الجيوسياسي للصراع غير مسبوق؛ الانعكاسات على الوضع اللبناني الداخلي معروفة مأساوية، عجز عن استنباط حلول او تنفيذ المتوفر..! خيوط الدمى المتحركة المتشابكة Marionette على المسرح تؤكد ممارسة “لعبة الجن”؛ اما محرك الدمى فيتقن تأليف واخراج عروض العرائس الرئاسية والحكومية مع ابدال اسماء الشخصيات حينآ وتغيير الاصوات أحيانآ أُخَر ..! تاركآ لجمهور المتفرجين تمزيق الخرق البالية من قوانين ودستور..!


يشار الى ان عدم ترسيم حدود البلوكات النيابية داخل البرلمان سواءً اكثريآ، حسابيآ او شعبيآ سيضفي غموضآ على المستقبل المرتجى بما يتفوق على عملية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي والعروض المفخخة لرئيس الوفد الاميركي المفاوض آموس هوكشتاين.. واذ تدخل المسيرات الثلاث التي حامت فوق منصة التنقيب والاستخراج Energine في حقل كاريش في باب التحذير حفظ حق لبنان الضائع بين خطي التوتر 23 و29 دون ضبط قدرة التردد Frequency، الا انها لا تبتعد كثيرا بنظر المراقبين عن قرار منسجم روسي- ايراني بمنع استخراج الغاز المتوسطي وتوريده الى اوروبا في هذه المرحلة، ضمن عملية عض الاصابع او بترها “المغرغنة-مصابة بالغرغرينا” Gangrene اصلآ نتيجة الصقيع الاوروبي القادم..
..
بيروت في 27.07.2022