الإسلام في أزمة ..!

بقلم العَميد مُنْذِر ألأيوبي *

يوم الجمعة 2020- October 16 “كنفلون سانت هونورين” Conflans-Sainte-Honorine أحدى الضواحي الباريسية الهادئة تصدرت وسائل الاعلام العالمية و صفحات التواصل الاجتماعي بعد مهاجمة ابن ال 18 ربيعآ Abdoullakh Abouyedovich Anzorov الطالب الروسي الجنسية المسلم ذو الاصول الشيشانية استاذ مادة التاريخ “صامويل باتي” Samuel Paty فور خروجه مِن المدرسة المتوسطة مستخدمآ سكينآ بقياس 30 cm مسددآ له طعنات في البطن و الاطراف العليا ثُم قطع رأسه صارخآ عبارة “الله أكبر” و ذلك عَلى خلفية اقدامه عَلى عرض رسوم كاريكاتورية مسيئة لرسول الاسلام محمدآ عليه السلام ..
بعد ذلك بعدة دقائق عرض الجاني عَلى “الشبكة العنكبوتية” Internet مستخدمآ حسابآ مزيفآ تحت اسم مستعار “شيشيني-٢٧٠” Tchecheene-270 صورة لرأس المغدور مقطوعآ مرفقة برسالة عالية الشتيمة مغلفة بالتهديد للرئيس الفرنسي Emmanuel Macron ناعتآ اياه “بزعيم الكفار – مِما يعني انه اصبح هدفآ محتمل” معلنآ انه اعدم احد “كلاب الجحيم – عقيدة القتل المبرر” الذي تجرأ عَلى اهانة النبي الاكرم محمد “صَلعَم” ” – و هنا مساس و اساءة هائلة لأقدس رموز الاسلام- .. لاحقآ و عَلى بعد حوالي ال 800 متر مِن مَسرَح الجريمة اشتبك الجاني مع دورية الشرطة الفرنسية التي عَلى “ما افيد لَم تتمكن مِن اعتقاله” مِما ادى الى مقتله الامر الذي يقلص فرص معرفة او الوصول الى ارهابيين آخرين -مع الاشارة الى انه غير انتحاري لم يكن يتمنطق حزامآ ناسفآ- تبع ذلك جملة مداهمات لقوات الدرك الفرنسي في باريس و الدوائر اسفرت عن اعتقال العشرات مِن افراد بعضهم مشبوهين مدرجين عَلى لوائح الخضوع للمراقبة و آخرين منتمين لجمعيات اسلامية ..!
تبين مِن سياق التحقيقات الاولية بعد استخراج المعلومات المخزنة في الهاتف الخليوي Data و “الغيمة الالكترونية” i cloud – عنوان بروتوكول الانترنت IP adress – ترجمة عناوين النطاقات Domain Name Système DNS – مِن خلال الخادم المعني Server الى ان Anzorov كان عَلى اتصال بأحد الارهابيين “مجهول الهوية” الناطقين باللغة الروسية ما يزيد احتمال انتمائه الى خلية شيشانية” في سوريا (مدينة إدلب) تحديدآ آخر معاقل المجموعات الارهابية المتشددة في سوريا التي يسيطر عليها حاليآ الجيش و المخابرات التركية ..! سَبَقَ الجريمة الارهابية و لنفس الاسباب اقدام احد المتطرفين الاسلاميين عَلى مهاجمة عدة اشخاص امام مقر صحيفة (شارلي إيبدو) Charlie Hebdo الساخرة مِما ادى الى اصابة شخصين بجروح خطيرة و ذلك تزامنآ مع جلسات محاكمة منفذي هجوم كانون الثاني 2015 على الصحيفة المذكورة و مقتل 12 شخصآ اضافة الى اصابة آخرين بجروح ..!

في نفس السياق ؛ و بين فعل و رد فعل متكرر متبادل يؤدي الغاية المطلوبة و يزيد مِن نسبة الحقد و جو الاحتقان كما يفاقم موجة القتل الديني والعنصري مع ابراز ازدواجية التعاطي مع المعتدين وِفقآ لإنتمائهم الديني تعرض العديد من المسلمين العرب و الافارقة لتهديدات و شتائم عنصرية كما تم رصد اعتداءات بالسلاح الابيض عَلى نساء محجبات في مناطق عدة مِن فرنسا ..! و بصرف النظر عن انتماء المهاجمين الى الدين الاسلامي الحنيف و خلفياتهم الايديولوجية و الدينية فإن أوروبا و الغرب عمومآ يشهد هجمات ارهابية مِن اصوليين متطرفين منهم منتمين الى تنظيمات ارهابية “داعِش ، القاعدة الخ ” وآخرين انغماسيين Terrorist indulgences كذلك ما يعرف ب “الذئاب المنفردة” TLW مِما اوجد خوفآ و حذرآ مبالغآ مِن الاسلام في « آلية دفاعية نفسية » ترجمت كراهية و تحيزآ تجاه المسلمين ما عرف بظاهرة “رهاب الاسلام” Islamophobia مع رؤية سلبية لما دعي مِن قبل الرئيس ماكرون ب (الاسلام السياسي المتطرف) و جريمة مرتكبة مِن قبل (اسلامي ارهابي) .! تعليق قد يكون في لحظة انفعال لا عقلاني او لا منطقي عَلى الاقل مقدمآ خدمة مجانية متوقعة للارهابيين رابطآ بين الاسلام كدين و بين الارهاب المتعدد الاشكال متجاهلآ انه ظاهرة “اجتماعية – سياسية – ايديولوجية” تترجم انحرافًا مرعبآ لدى الشبان المهاجرين القادمين مِن دول إسلاميَة هربآ مِن حُروب اهلية و عنصرية او خاضعة لضربات الارهاب المتفلت مثل: “الشيشان، افغانستان، باكستان، الصومال، سوريا الخ..” اضافة الى دول محتلة تخضع شعوبها لِ “ارهاب الدول” State Terrorism Phenomenon ك الكَيان الصهيوني ..!
ظاهرة في التحليل و المراقبة و الاستنتاج كما في مصدرها “اجهزة الاستخبارات المتنوعة عَبرَ غسيل الادمغة” Brainwashing حيث تعتمد بصورة مباشرة “التجنيد” Recruitment او غير مباشرة “وسائل الاعلام ، التواصل الاجتماعي ، المواقع الالكترونية ، مراكز الارشاد الديني الخ ..” ظاهرة غير مرتبطة بدين محدد او منتمية لعقيدة واحدة .. عَلى سبيل المثال “الاعتداء الارهابي عام 2019 الذي استهدف مصلين داخل مسجد النور و مركز لينود الاسلامي في مدينة Christ Church” في نيوزيلندا و الذي ادى الى مقتل
50 شخصآ وجرح العشرات ..!

بالمقابل “الاسلام في ازمة” توصيف صحيح ادلى به الرئيس ماكرون في كلمته ؛ لكن في شمولية الرؤية فإن جميع الاديان تمر اليوم كل في ازماتها نتيجة حتمية لانهيار القيم الأخلاقية والدينية مع تلاشي ضوابط الرقي الاجتماعي ايضآ تفشي الإلحاد Athism بالتوازي مع حالات الاحباط و اليأس نتيجة الظلم و الفقر و المجاعة ظواهر تعري الانسانية مِن ادنى فضائلها ..!
مِن المؤكد او الظاهر ان فرنسا خِلافآ لتاريخها و مبادئ ألثورة الفرنسية باتَت تعتبر الاسلام دين خصم لها يشكل تهديدآ لأمن و قيم الغرب و هذه مقاربة سياسية خطرة بعيدة عن اية معالجات مفترضة لجذور الارهاب ؛ أما ردود الفعل الغاضبة و المستنكرة سواء مِن فظاعة الجريمة أم مِن الرئيس E. Macron لتبنيه خطابآ معاديآ للاسلام و المسلمين فقد عَمَت معظم الدول العربية و الاسلامية مع تصريحات مهينة وجهها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره الفرنسي في “انتهازية الفرص” و خلفية الصراع بين دولتيهما عَلى محوري الطاقة الغازية شرق المتوسط و النفوذ في الاقليم لا سيَما ان ظاهرة « الاسلاموفوبيا » اصبحت متلازمة و منتشرة مع متلازمة اخرى اشد فتكآ تتعلق بالتمييز العنصري « العرب فوبيا » Arabphobia و البشرة السمراء Dark Skin ..!
استطرادآ فقد سُجِلَ حفاظ العديد مِن الدول الغربية عَلى جالياتها الاسلامية في ضبط صارم ممنهج للجماعات المتطرفة العدائية ؛ إذ حذر حاكم مقاطعة أونتاريو الكندية “دوج فورد” Doug Ford كل
من يفكر في التضييق على المسلمين بالمقاطعة مؤكدا خلال مؤتمر صحفي “أنه لن يتسامح مطلقا
مع التمييز ضد المسلمين ولا مع الذين يهاجمون المساجد تحت أي ذريعة وسيحرص على تقديمهم للمحاكمات وسجنهم إذا ثبت تورطهم” ..!

خِتامَآ ؛ ما يعني الوطن المنهار حاليآ ان الساحة اللبنانية قابلة للاشتعال في اية لحظة اما الضرورة الطارئة فَهي التحسب والخشية مِن تحركات منظمة تؤدي الى ما يشابه “غزوة الاشرفية” الخامس مِن شباط 2006 رغم دمار نصف المدينة نتيجة الانفجار المهول وغير المسبوق في مرفآ بيروت 4 آب 2020 ..
ألإحتواء Containment وألأمن الوقائي Préventif مطلوبين بشدة متمثلين بتكثيف الجهد الاستعلامي للأجهزة في اختراق مفترض مُسبق للجماعات الارهابية و المتطرفة لا سيَما شمالآ اضافة الى المخيمات الفلسطينية و مناطق تجمعات النزوح السوري مع تشديد المراقبة حدوديآ و التدابير الامنية في محيط الكنائس و المؤسسات التابعة لها ..! « حمى الله لُبنان »..

بيروت في 25.10.2020

 

*كاتب و باحِث في الشؤون الامنية و مكافحة الارهاب.