الأزمة الحكومية والرهانات الخاطئة في لبنان

بقلم : نمر ابي ديب *

ما بين الدعوة المزدوجة التي وجّهَهَا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ إلى الرئيس​ اللبناني ميشال عون​ والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ​سعد الحريري​ لعقد لقاء مصالحة شخصية بينهما بهدف إنتشال البلاد من حالة الانهيار التي تعيشها، والمُعَدَّل الزمني العام المُتَعَلِّق بتأليف الحكومات في لبنان، مساحة فاضحة من العجز السياسي والترهل المؤسساتي عكست “الواقع الهش” الذي يتحكم منذ زمن في مفاصل الدولة اللبنانية لجهة آداء وسلوك معظم الطبقة السياسية الحاكمة التي عجزت بالرغم من “كارثية الأزمة الوجودية الصحية وحتى الإقتصادية التي يمر فيها لبنان بالرغم من المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومحاولات بكركي المُتكررة الهادفة إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة الحالية عن تأمين الحد الأدنى من التوافق الحكومي للعبور بالدولة والمؤسسات إلى مرحلة إبراء الذمة الوطنية وتشكيل “حكومة الفرصة الأخيرة” التي يرى فيها كثيرون إطاراً مؤسساتياً عابراً للمراحل بغطاء دستوري ضامن لمرحلة الفراغ الرئاسي المتوقع بهدف ضمان سيطرة سياسية وأمنية على مرافق الدولة الأساسية بحكم الصلاحيات الوزارية وأيضاً المسؤوليات المباشرة لمكونات الأكثرية الحكومية بشكل عام وأصحاب الثلث الضامن بشكل خاص.

الحقيقة عدم القراءة الفرنسية “لخيوط التشابك” اللبناني اللبناني ساهم في وضع المبادرة او ما تبقى منها في خانة المراوحة السياسية على مسار الأولويات التنفيذية التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين أعلن أن البداية ستكون لتشكيل “حكومة مهمة”.

ربما كان المشهد اللبناني من الزاوية الفرنسية يوحي بأن التأليف الحكومي هو المدخل الصحيح لا بل المسار الأسهل لسريان مفعول المبادرة، لكن الأكيد أن الرادارات الفرنسية لم تلحظ باكراً حجم التعقيدات اللبنانية أو في الحد الأدنى تعدد السياسات الخارجية المُؤثرة في صناعة وحياكة المشهد اللبناني، حقيقةً هنا بيت القصيد والخطأ “الإستراتيجي” في إعداد الطرح الفرنسي الذي لامس في جوانبه العملية “ظاهر الأزمة” المستفحلة اليوم سياسياً، إقتصادياً، ومعيشياً، لكنه لم يرتقِ إلى مستوى التصادم اللبناني – اللبناني او إلى جوهر الإنقسام العامودي حول الهوية السياسية للدولة، وخاصة المتعلقة بالرؤيا الإقليمية، ومركزية الدور.

بالرغم من جدية المحاولة الفرنسية في لبنان ومفصلية “شرق المتوسط” في مسار “الصحوة الأوروبية” والدور الفرنسي تحديداً، لم تتمكن الإدارة الفرنسية بالرغم من الحضور الإستثنائي للرئيس ماكرون من تقديم نفسها كبديل إستراتيجي عن سياسات دولية مُراكمة منذ عقود للجهود والإنجازات في الساحتين “اللبنانية والإقليمية” بالتالي غياب “الجهوزية الفرنسية” القادرة على حسم “المواجهة النفطية شرق المتوسط” وأيضاً قدرة فرض السيطرة السياسية الكاملة على مساحات النفوذ الليبية عكس الحجم الحقيقي للفاعلية الفرنسية الهشة في هذه المرحلة وأكَّد على جُملة حقائق سياسية أبرزها:
– لا تعديل في موازين القوى الدولية، خصوصاً مساحات النفوذ الشرق أوسطية لكلا المحورين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدور الفرنسي في لبنان لم يتجاوز عملياً سياسة الإستثمار المرحلي في غياب المتابعة الأميركية لملفات المنطقة.

– الإجراء الذي أعتمدته أغلب الإدارات الأميركية في مرحلة ما قبل الإنتخابات الرئاسية، لذا لا حضور إستثنائي في المتوسط، لا تأسيس فرنسي لمساحات نفوذ جديدة في المنطقة، ولا حتى رهان يفوق المُتَوَقَّع.

إنطلاقاً مما تقدم لا تغيير جذريًا في قواعد الإشتباك اللبناني – اللبناني في هذه المرحلة ولا حتى توقع بقدرة الدبلوماسية الفرنسية على تحقيق خرق سياسي مختلف يعود بنتائج مُغايرة للنتائج المتواضعة التي خَلُصت لها المبادرة الفرنسية حتى الآن.

بالتالي لا حكومة حل أزمة في المدى المنظور ولا حتى تسويات كبرى في منطقة تسير بخطى ثابتة على أنغام المشروع الأميركي الجديد (التطبيع) المنبثق من صفقة القرن وقانون قيصر. وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن التطبيع غير المشروط مع إسرائيل والمصالحة الخليجية عناوين بارزة في مسار جديد من المواجهة الإقليمية المفتوحة، التي لم تتأثر سابقاً بمفاعيل الإتفاق النووي مع طهران ولن تتأثر اليوم، وأي خرق لبناني يمكن أن يُسَجَّل على مستوى التأليف سيقود حتماً إلى حكومة مواجهة سياسية ظاهرها عام وباطنها رئاسي مصحوب بأحلام كبيرة وطروحات تأسيسية، ترفضها القوى المدافعة عن “إتفاق الطائف” قبل أن تُعلَن، وفي هذا تأكيد إضافي على بلوغ لبنان مرحلة جديدة من الإنقسام الداخلي على عناوين مختلفة وطروحات بدأت للأسف بوادرها الخلافية تلوح في أفق المراحل المقبلة.

حمى الله لبنان

——————

*كاتب وناشط سياسي