الابعاد الدولية لإنهيار لبنان (الحلقة الاولى)

ينشر موقع “الدنيا نيوز” سلسلة مقالات جديدة يتناول فيها الدكتور غسان الخالد الابعاد الدولية والاسباب الخارجية التي أدت إلى انهيار لبنان. وهذه حلقة أولى.

 

 

بقلم د. غسان الخالد*

أن الانهيار الفعلي لبلد ما، لا ينجح ما لم تتوفر معاييره الموضوعية، ولا يمكن أن تكون هذه المعايير محلية فقط، بل هناك دوما عوامل خارجية تساعد على توفر العوامل الموضوعية الأخرى، إلى أن تحسن ظروف الانهيار، لتحقق هذه المعايير. وعليه فإن انهيار لبنان، ووفق المعايير المتحققة حتى الآن، قد بات قريبا، ولم يبق إلا تحديد الوفاة، وتحديد الدفن ما لم تحصل معجزة على هذا الصعيد.
وبعد المقالات التي تناولت موضوع الانهيار على المستوى المحلي، سوف احاول الان الإضاءة على البعيدين الإقليمي والدولي، واختصارا لذلك، سوف اتناول المحورين اللذين تدور في فلكهما السياسة الإقليمية. عنيت بهذين المحورين المحور الأميركي الإسرائيلي ومن يدور في فلكها من دول الإقليم، والمحور الروسي الصيني والدول التي تميل إليه إقليمياً، اي إيران وما سمي اصطلاحا محور الممانعة.
سوف انطلق في مقاربتي هذه من الرؤية الأميركو/ اسرائيلية، والأوروبية لوضع دول الإقليم للقرن الذي نعيشه، وربما لأكثر من قرن، ثم اعطف على الموقف الروسي الصيني، وبالتالي الموقف الإيراني ودول الممانعة، لنستخلص لاحقاً أو لنستشرف وضع دول الإقليم، أهي في اتجاه الانهيار والتفت، ام باتجاه المحافظة على وجودها كدول قطرية نتجت عن اتفاقية سايكس بيكو.
أولاً :الرؤية الاميركو/ إسرائيلية.
اعتقد انه من المفيد الإشارة اولا ان الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد الحرب العالمية الثانية، قد بدأت التفكير في إعادة النظر في الكثير من القضايا التي رسمها الاستعمار الأوروبي سابقاً، ولعل من أبرز الأمور التي بدأت العمل عليها وفق استراتيجية هادئة، هي اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت التركة العثمانية، وتحديداً الدول العربية إلى دول قطرية، إضافة إلى زرع ما سموه دولة إسرائيل، لتكون جسما غريبا بمثابة الورم السرطاني داخل الجسم العربي. لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية ولا دول أوروبا الاستعمارية في ذلك الوقت بعملية الزرع، بل تعدتها إلى الدعم المطلق للترعرع، حتى باتت على هذا المستوى من القوة، والعنصرية. بالمناسبة، لم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا إتمام عملية الزرع هذه لولا وجود أنظمة عربية ساعدتها بشكل أو بآخر على إنجاح عملية الزرع والولادة. ويمكن للقارئ العودة إلى ما كتبه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً أحمد الشقيري، كما يمكن مراجعة كتيب الجيش الأردني ودوره، في العام ١٩٤٨،اضافة الى الكثير من الكتب حول تلك المرحلة،ومنها على سبيل المثال مذكرات خالد العظم، الذي شغل منصب رئيس الحكومة السورية لعامين ١٩٤٨/ ١٩٥٠، حيث يعترف بأنه كان مع حل الدولتين، لكنه لم يفلح في إقناع بقية الرؤساء العرب، خصوصا وأن الفكر القومي قد بدأ بالتنامي في كل من سوريا ولبنان على الأخص. يمكن لنا أيضا مراجعة خطط ومقالات ثعلب الديبلوماسية الأميركية، ووزير خارجيتها هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين التحريرية، والتركيز أكثر فأكثر على خطة تقسيم لبنان، او ترحيل المسيحيين خلال الحرب الأهلية وما عرضه الأميركان على الرئيس اللبناني سليمان فرنجية، من وضع كل الطاقات المسهلة للترحيل، والتي عارضها وبشدة الرئيس فرنجية.
من المفيد الإشارة ههنا أن فكرة الترحيل كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أقل كلفة من التقسيم. وهنا لا زلت أذكر مقالا كتبه الصحافي المميز سليم اللوزي في مجلة الحوادث عن خطة تقسيمية كانت مجال بحث في العام ١٩٧٦،وتقضي بإنشاء دول طائفية في لبنان، وحدود الدولة المارونية كما اذكر، هي خط وهمي يمتد من مقبرة عندقت عبر القموعة في عكار وصولا إلى بشري ونزولا حتى زغرتا، مع انعطافة على الكورة لتعود وتتصل بجبل لبنان. وكان هناك أيضاً، خطوط للدولة العلوية، على أن يكون حدودها نهر ابو علي، حيث يصبح هذا النهر كما شقيقه النهر الكبير الفاصل بين لبنان وسوريا.
طبعا هذه الخطة التقسيمية، كانت بحاجة إلى تدقيق أكثر، ولم تبصر النور، تحت مقولة وشعار لبنان أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسم.
استمر تبدل الخطط التقسيمية، خلال الثمانينات، ليس ما تعلق منها بلبنان فقط، بل تعداها إلى سوريا مع شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد في ما كتبه باتريك سيل، في كتابه عن حافظ الأسد والشرق الأوسط، وقد وعد الأميركيون رفعت الأسد بإعادة لواء الإسكندرون إلى الدولة العلوية. لكن أيضاً وأيضاً لم يكتب لهذه الخطة النجاح ولم تبصر النور، وكان أن طرد رفعت الأسد من سوريا بطريقة دبلوماسية نوعا ما من خلال تسفيره على رأس وفد عسكري إلى موسكو، حيث وصلها ولم يعد مطلقاً إلى سوريا.
ومع ذلك لم تنته أروقة الإدارة الأميركية من دراسة المشاريع التقسيمية لدول الإقليم، حيث عادت مع عدوان تموز نغمة تهجير الشيعة من الجنوب، وإحلال الدروز مكانهم، ولاحقا تهجير السنة الي الجزيرة العربية. ومن الملاحظ أن الأميركان غالباً ما يدعمون الحركات الانفصالية في المنطقة، لا بل حتى في العالم، وما حصل مع إقليم كاتلونيا ليس ببعيد، ولا ما حصل ويحصل مع الأكراد حتى الآن.
رب سائل، لماذا يدعم الأميركان الحركات الانفصالية في العالم؟ لماذا نجحت أميركا في وقف الحرب في البوسنة والصبر وهو ما لم تستطع أوروبا أن تحققه رغم كل الجهود التي بذلتها؟. لماذا نجحت في تقسيم السودان؟، ولماذا اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء رغم أن النزاع مستمر منذ عقود؟. كثيرة هي الأسئلة ومتوالدة أيضا، وجميعها تضمر الشكوك في أحسن الأحوال بالسياسة الأميركية تجاه العالم، وتجاه العرب.

————————-

*باحث في الاجتماع السياسي