إحترموا عقولنا

 

 

بقلم : عباس صالح*
 لا يستساغ الخطاب الطائفي البغيض الذي يعتمده النائب جبران باسيل، ولا الممارسات الفئوية التي يستخدمها في شحن الانصار.
ومثيرة للإشمئزاز عمليات التذاكي التي يحاول ان يمررها على عقول اللبنانيين في الكثير من الامور، ولا سيما كلامه في الآونة الاخيرة عن اقتراحات قوانين “خنفشارية” لا ترمي الا الى “تضييع الشنكاش” فيما يتعلق بترشيد الدعم، وتبني مشاريع هيولية غير موجودة أصلاً الا في المخيلة، ونسب اقتراحات لنفسه كمشروع البطاقة التمويليّة، وتمنين اللبنانيين بها قبل صدورها، وجرياً على عادته في التذاكي حين تكون الطبقة السياسية متفقة بشأن فرض ضريبة جديدة لا تستند الى حق، يلجأ لتسويق الامر بالتذاكي على طريقة قوله: نحن لن نقبل بهذه الضريبة المستحدثة الا اذا تم كذا وكذا  (لاستمالة الجمهور)، ويتم تمرير الضرائب الجديدة على الناعم، وما أكثر تلك الممارسات المنفِّرة عند جبران، بدءاً من إطلاقه خطة “ليبانون اوف ليبانون اون” في العام 2010 حين كان وزيراً للطاقة وتعطيله الحكومة في حينه، من خلال تضامن حلفائه معه، وايقاف جلساتها الى ان حصل على المبلغ الذي كان طلبه وهو 200 مليون دولار لتنفيذ خطته الموعودة والتي كانت تقضي باضاءة لبنان 24/24 في العام 2015 على ابعد تقدير، وقد حصل على المبلغ لكن لبنان ازداد عتماً… واذا كان الكلام يطول عن السقطات المريعة في مسيرة جبران باسيل السياسية، فإن الامانة تقضي بالاعتراف بأن الرجل سطر نجاحات باهرة في محطات معينة، وانجز انجازات تاريخية مضيئة ستدون في تاريخ لبنان ابرزها في العامين 2006 و 2016،  ووصولا الى دخوله الى نادي أكبر المساهمين الذين أوجدوا  أسباب السقوط المدوي للجمهورية الثانية.
ولكننا إنطلاقاً من هذه الثوابت العقلانية في الاستقراء المنطقي للأمور، وبالمعايير التقييمية ذاتها،  سيصيبنا الذهول ونحن نستمع الى “اوركسترا” الهجوم المنسَّق على رئيس التيار الوطني الحر، وهي تحمل كما كبيراً من الافتئات على عقولنا وعلى انسانيتنا اكثر منا تحمله من افتراء منظم بحقه من خلال إلباسه ثوباً لا علاقة له فيه.
المفارقة المعلومة في هذا الصدد ان بشائر الاشارة الاولى لذلك الهجوم المنسق بإتقان ظهرت مع هجوم رئيس حزب القوات سمير جعجع عليه، ثم تشظت وتواصلت لتستهدف العقل الانساني كقيمة وجودية عليا، قبل ان تستهدف باسيل شخصياً، من خلال تحميل خطابه الاخير، ما لم يقله ابداً، ولا حتى اوحى به، ووصول البعض من “اوركسترا”، الظلم، وأنصار الظلامية ودعاة الظلام،  الى تركيب عبارات كاملة ولصقها بكلام الرجل، ثم الانطلاق منها لمحاكمته بتهمة “التفريط بحقوق المسيحيين” و”إهدائهم” وجعلهم  “ذميين”، وما الى ذلك من عبارات تحمل في طياتها أبشع وجوه الفجور السياسي والوقاحة في الاعتداء المباشر على عقول الجمهور اللبناني.
كما بدا لافتاً في هذا السياق، ان حجم الاحقاد التي تسيطر على نفوس تلك الاوركسترا المنظمة غطى على عقولهم والرؤية لديهم، وطمس حقائق كثيرة، منها ان هذه الطبقات الشعبية المستهدفة، بعمليات غسل الادمغة، وتعطيل التفكير لديها هي قادرة بكبسة واحدة ان تستحضر خطاب باسيل في مؤتمره الصحافي الاخير، وبذلك ستكتشف انها ضحية عملية كذب وخداع وتضليل منظم غير مسبوق.
ولكثرة اللغو والضخ الأشبه بِسمِّ الثعابين على الساحة الاعلامية حول كلام باسيل خلال اليومين الماضيين وذهاب بعض اعضاء الاوركسترا مذاهب لا تأتلف مع طبيعة التفكير البشري اصلاً، ودفاعاً عن قدسية عقولنا أولاً ، سنعيد قراءة ما جاء في المؤتمر الصحافي لباسيل بدقة، لعلنا نعثر على جملة واحدة تؤكد ان الرجل اوحى بطلب الذمية او بأي من مندرجات مضبطة الاتهام الطويلة التي وجهت اليه .
فقد قال باسيل حرفياً :[“أريد أن أستعين بصديق هو سماحة السيد حسن نصرالله، واريده حكما وامينا على الموضوع، لأني اثق به وبصدقه وائتمنه على موضوع الحقوق. هو يعرف اننا مستهدفون، وكل شي يصير هو للنيل منا، ويعرف اننا تنازلنا في موضوع الحكومة عن الكثير من حقوقنا. يا سيد حسن، أعرف انك لا تخذل الحق. أنا جبران باسيل، من دون أن أحملك اي عبء ومن دون ما سلم أمري وأمر من أمثل، أقبل بما تقبل به انت لنفسك. هذا آخر كلام لي في الحكومة”].
وعليه يمكننا السؤال الان : أين وجدتم  طلب الحماية للمسيحيين وبيعهم لمشروع ولاية الفقيه” او تسليم رقابهم في هذا الكلام؟ ومن أين استنبطتم إحياء الذمية السياسية يا عديمي الذمم؟ ولماذا تتعمدون سياسة الاستهانة بعقول اتباعكم، على الاقل، وعلى رؤوس الاشهاد؟  واذا كنتم لا تخافون ربكم في ما تفعلون، ألا تخشون من صحوة ضمائر الجماهير لتحاسبتكم على ما اقترفتم بحقها قبل غيرها؟
—————-
*رئيس تحرير “الدنيا نيوز” .