إجتماع بعبدا اليوم مسرحية هزلية مفضوحة ..

بقلم : عباس صالح*

 

مشهد “الاستدعاء” الشكلي الاعلامي الممسرح لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى قصر بعبدا صباح اليوم، لم يكن موفقاً في مسرحية أُعِدَّت لتمرير عملية رفع الدعم عن المحروقات.

وهذا أيضاً ما ينطبق تماماً على الوجه الاخر من المسرحية المتمثل بالاجتماع الحكومي الذي دعا اليه رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب.

ولا يحتاج الأمر الى كثير عناء لاكتشاف ان ما جرى في كلا القصرين الجمهوري والحكومي هو مسرحية تكاذب هزلية بامتياز، وممجوجة بامتياز ، ومفضوحة بامتياز، ولم يكن ينقصها سوى مُخرِج اكثر ذكاء من المستشارين في القصرين.
فلقد فضح الرئيس ميشال عون نفسه بهذا الاستدعاء الذي اراد من خلاله إبعاد كرة نار رفع الدعم الحارقة عن نفسه، وإلصاقها بسلامة الذي عرف كيف يستفيد من نقطة الضعف تلك، ووافق على المؤامرة ولكن بشروطه وبما يعوّمه ويصوره بطلاً متمرداً حاكماً بأمر الجمهورية وليس بأمر المال فقط، وبالفعل تمكن من تلقف تلك الكرة وأعطى الانطباع للعالم كله انه هو المقرر الفعلي في البلد، وانه هو من يفرض على رئيسي الجمهورية والحكومة وكل الوزراء والمسؤولين التنفيذيين قرارته المنسقة خارجياً وداخلياً، كما اظهر ان المعنيين الذين يستدعونه الى الاجتماعات، أعجز من أن يتخذوا اي قرار بشأنه، بل إنهم في أحسن الحالات عناصر تنفيذية ليست مقررة في مشاريعه وخططه الاقتصادية والاجتماعية الجهنمية القاتلة للشعب والدولة معاً.
سلامة عرف بالفعل ان كل المسؤولين في لبنان من أعلى درجات الهرم إلى أسفله مراوغون لا هم لهم الا الكذب على الشعب اللبناني ومن خلاله على العالم ، وهو يعرف جيداً أسعار واسرار كل واحد من الطبقة الحاكمة، وان همومهم محصورة بتمرير الصفقات والاستفادة من المساعدات الخارجية وقبض الرشاوى والعمولات الكبيرة واقامة حفلات التكاذب والدجل السياسي والاعلامي، وهو يدرك جيداً انهم في هذا الملف تحديداً بحاجة ماسة إليه، ليمرر لهم عملية وقف الدعم التي يطالبونه بها جميعاً في الخفاء، لكن احداً منهم لم يجرؤ على الافصاح عما يفكر به في هذا الاطار، لا سيما وان الانتخابات باتت على الابواب، وحاكم المصرف المركزي ليست لديه هواجس شعبوية كونه غير مرشح للانتخابات ولا كتلة لديه يرشحها، وبالتالي فإن بامكانه وحده من يستطيع حمل كرة النار هذه.

أما من جهته ، فهو الذي يعرف عنهم حقائق وخفايا لم نعرفها نحن، وهذا ما يفسر حتى الان تصرفاته الطاووسية وتمرده على كل الحكام والرؤساء، وقد عرف كيف يستفيد من الخطوة، ومن حاجة المسؤولين اليه ليغطيهم، فعمل على قلب السحر على الساحر، وفضح كذبهم ومراوغاتهم ومؤامراتهم، ولا سيما بعد التسريبة الاعلامية التي خرجت من القصر الجمهوري على أثر الاجتماع وتفيد بأنه لم يتم الاتفاق بين عون وسلامة الذي يصر على وقف دعم المحروقات الا في حال صدور تشريع من مجلس النواب يشرع المس بالاحتياطي!.
هذه التسريبة أريد منها تجميل الموقف السياسي، لكنها كانت بمثابة الفضيحة الاكبر، ذلك ان العذر هنا أقبح من الذنب نفسه، والمسؤولين الذين انصتوا لمخارج سلامة، وانصاعوا لمقترحاته كالتلاميذ الشطار، نسوا ان هناك من سيخرج عليهم من اللبنانيين ليقول لهم أوقفوا التذاكي المفضوح، واذا كان هذا ما قاله الحاكم خلال الاجتماع بالفعل، ولم يكن لكم علاقة بدماء اللبنانيين وارواحهم وارزاقهم وممتلكاتهم، فلماذا لم يخرج واحداً منكم ليقول للحاكم؛ أولاً ان دعم المحروقات هو القاعدة القانونية المشرعة دائماً وابداً وهو الواجب عليك، وبالتالي فإن رفع الدعم عنها هو الاستثناء الذي يحتاج الى اقرار تشريع به وليس العكس. وإذا كنت مصراً على عدم المس بالاحتياطي الالزامي لحقوق الناس فلماذا تحجز ذلك الاحتياطي وتمنع اصحابه من التصرف به. لماذا لا تعيد الاموال لاصحابها إذن؟
لو كان الساسة في بلادنا ابرياء فعلاً فإن هذا السؤال وحده كفيل بأن يجعل سلامة ينتهج أحد خيارين وكلاهما مر بالنسبة له، فإما ان يستخدم الاحتياطي الموجود لديه بالصرف على حاجيات اللبنانيين الاساسية الى ان تنقضي الأزمة وتتشكل الحكومة التي ستتفاوض مع البنك الدولي لتعيد جدولة الديون بما ينبغي، وتحصل على مساعدات وقروض وهبات تمكنها من تسديد العجز لاحقاً واعادة الامور المالية الى مجاريها الصحيحة. او ان لديه خياراً آخر اذا كان فعلاً ينوي انتهاجه، وهو ان يعيد تلك الاموال الى اصحابها عبر البنوك بدلاً من حجزها، وعندئذ يحق له ان يقول ان لا اموال لدي لتمويل المحروقات والدواء والمواد الغذائية وسواها من الاساسيات.

يا معشر السياسيين، كفاكم استهانة بعقول هذا الشعب الذي غلبت أمراضه الطائفية على أمره وجعلته أسيراً في حظائركم، ولكن يا حبذا لو رحمتمونا من ألاعيبكم السوداء المفضوحة والرخيصة.. فنحن في كل الاحوال رعاياكم . إرحمونا لعل الله يرحمكم.

——————

*رئيس تحرير “الدنيا نيوز”.