أيها السياسيون:كفاكم مقامرة بدمائنا وبمستقبل أولادنا

بقلم : عباس صالح*

يدرك المسيحيون في لبنان، بمجملهم، وبكل طبقاتهم الاجتماعية، أنهم ميزة لبنان وسبب فرادته وريادته على أكثر من صعيد بين دول المنطقة، كما يدركون جيداً ان اللبنانيين الآخرين متمسكون بالوجود المسيحي في البلد الصغير، لانهم يعون أهميته، فضلا عن انهم يعرفون مزايا الفسيفساء الطائفية اللبنانية بكل أبعادها، وأن لبنان بلا مسيحييه سيكون أشبه بقندهار أخرى، ولذلك تترجم النخب السياسية والفكرية اللبنانية هذاالتمسك بالمسيحيين بتسليمهم المطلق بما يصطلح على تسميته “بالديمقراطية التوافقية” بعيداً من الديمقراطية العددية، وهي ديمقراطية قائمة على مبدأ المناصفة في تقاسم المكاسب السلطوية على مستوى قادة المؤسسات والوزراء والنواب ووظائف الفئة الاولى وحتى الوظائف العادية من الدرجات الدنيا، بحيث يبدو دائما ان الكل راضٍ ومقتنع تماماً بأن الوجود المسيحي على هذه الارض هو ثروة حقيقية للبلد وللمواطنين، ويجب القبول بكل ما يرضيهم ويبقيهم حتى ولو جاء ذلك متنافياً مع النسبية العددية للسكان، او مع النظم الاخرى المتماهية مع الديمقراطية الفعلية القائمة بكل مبادئها على الاكثريات وخياراتها.

هذه المعطيات التي تشكِّل الارضية الصلبة في مقاربات النخب اللبنانية السياسية والروحية على حد سواء، أو ما يمكن تسميته بالدولة العميقة يعرفها القاصي والداني جيداً، ويقاربها الكثير من الزعماء والقادة على أنها مُسَلَّمَات ليست قابلة للجدل، وقد اتخذت منها بعض القوى السياسية في بعض المراحل شعاراً حاولت من خلاله تحقيق مكاسب سياسية خاصة بها، وليست عامة لمصلحة الطائفة، فيما اتخذتها قوى أخرى أدوات ابتزاز للآخرين بحيث ربطت المصلحة المسيحية عموماً بمصالحها السياسية الضيقة، وتحقيق غاياتها الخاصة للسيطرة على الساحة المحلية من خلال مركزة الخدمات في يدها، واعتماد العزف على وتر الحقن الطائفي وترويج الشعارات العامة المبطنة بمطالب خاصة من خلال الضخ الاعلامي القائم على أن القوى السياسية غيرالمتجاوبة مع المطالب السياسية الفئوية لمصلحة تيار او حزب سياسي معين، او حتى لمصلحة شخصية محددة تطمح لتولي منصب معين، انما هي قوى معادية للمشروع المسيحي برمته، كما تحاول الايحاء بأن عدم التجاوب مع مشاريعها السياسية الخاصة انما هو حرب على المسيحيين عموماً، علماً ان في ذلك افتئات على العقول الانسانية واستخفاف بذكاء اللبنانيين والعالم.

من هنا فإن التهويلات الموسمية التي تعتمد عند كل منعطف سياسي كبير، والضخ الطائفي الذي يرافقها، وعمليات التخويف للمسيحيين اللبنانيين تحديداً، يجب ان يتم تظهيرها بشكل جلي على انها غاية في السذاجة السياسية، اذ يدرك كل مسيحي تقريباً بأن حقوقه مصانة ومحفوظة، وان أحداً لن ينافسه عليها، واذا كان ثمة منافسة سياسية متعلقة بتقاسم الحصص ومواقع النفوذ فعلاً،  فإنها ستكون محصورة ضمن الطائفة نفسها، وربما المذهب نفسه، في كثير من الأحيان، وهذا بالذات ما يحصل في هذه الآونة، وهو ما يدفع ببعض الساسة الى فقدان صوابهم، لا سيما حين يشعرون بتقارب سياسي بين اقطاب من طائفتهم نفسها وبين الاطياف الاخرى، وهو يجعلهم يلجأون إلى دق النفير الطائفي، ورفع السقوف السياسية عالياً والتصويب وارسال الرسائل الساخنة لكل القوى المؤثرة في الواقع الوطني، ويتم استخدام العوامل الطائفية باعتبارها الاسرع شحناً للنفوس وتأليب الرأي العامعلماً انهم ايضاً يدركون جيداً ان لعبة إحياء العصبيات الطائفية هي لعبة خطرة جداً، لا سيما وان الكل مدرك بأن الواقع اللبناني عموماً هو واقع هشّ وغير محصن بما يكفي، وقد سبق ان دفع اللبنانيون ثمنها غالياً، ومع ذلك ترى بعض السياسيين يركبون مثل هذه المجازفات ويلعبون على حوافي الخطر من دون إقامة حساب لأي وازع اخلاقي او وطني او مجرد رادع انساني!.

وعليه، فإن اللبنانيين الذين جربوا طواقم المجربين سياسياً مراراً وتكراراً، مدعوون اليوم الى ان يطلقوا صرخة مدوية في وجوه  مستغليهم السياسيين ويقولوا كفاكم مقامرة بنا وبوطننا، وكفاكم متاجرة بمستقبلنا ومستقبل اولادنا، لقد آن الاوان لتكفوا عن إحراق البلد من أجل إشعال سجائركم !

آن الاوان لنقول لهم جئنا اليوم لنطالبكم بأن تبنوا لنا وطناً حقيقياً خارج الأحقاد والفئويات البغيضة وخارج الاستثمار في الكراهية والتشفي والتحريض على الاخر، كما آن الاوان لنخرج جميعاً من قوقعة الطوائف والمذاهب، الى رحاب المواطنة،  حيث الوطن – الحلم ينتظر بُنَاته الشرفاء.

————–

*رئيس تحرير موقع “الدنيا نيوز”