أوديسة الفضاء … الخيال الأدبي الذي حلق في الآفاق

 

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

في الوقت الذي كان فيه العلماء يشحذون خيالهم ومناظير التليسكوب من أجل معرفة الجديد عن السماء وما يحيط بالأرض خارج الغلاف الجوي، كان الأدباء يبتعدون بخيالهم إلى حدود المجرة التي تضم عشرات المجموعات الشمسية.
وفي العام 1948 كتب الروائي البريطاني آرثر سي كلارك قصة قصيرة في حدود عشر صفحات تحت عنوان “الحارس”، تحولت فيما بعد إلى روايته الشهيرة “2001: أوديسه الفضاء”، والتي كتبها بالتعاون مع المخرج ستانلي كوبريك وتحولت إلى فيلم يحمل الاسم نفسه عام 1968 وتم ترشيحه لأربع جوائز أوسكار.
آرثر سي كلارك مواليد بريطانيا عام ١٩١٧. ظهرت لديه ميول الأدب العلمي باكرا من خلال غوايته في تأمل النجوم. توفي والده في سن الرابعة عشر مما أطاح بطموحه في الالتحاق بالجامعة، واضطر للعمل محاسبا بلندن. وبالتوازي مع ذلك، استمرت ميوله الفلكية حتى صار رئيسا لجمعية الكواكب في نهاية الأربعينات. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية بما جرته من ويلات على المملكة المتحدة، فخدم كملازم رادار تابع لسلاح الجو الملكي وهي الوظيفة التي أتاحت له توفير مدخرات طيبة وأعانته على تحقيق حلمه المؤجل ودخول الجامعة عقب الحرب، بعد أن اختار لنفسه قسم الرياضيات والعلوم. هاجر إلى سريلانكا عام 1956 بسبب اهتمامه بالغطس، هذه الرياضة ألهمته كتابة العديد من المؤلفات ويعتبر من أشهر الأجانب المقيمين في سريلانكا حيث تحمل أكاديمية علمية اسمه. كتب كلارك عشرات المؤلفات عن الفضاء وأشهر أعماله قاطبة هو “أوديسا الفضاء:٢٠٠١”. في العقد الأخير من حياته، منح المفوض السامي البريطاني في سريلانكا كلارك لقب فارس، كما شهد تأسيس معهد آرثر سي كلارك للعلوم الفضائية. وتوفي في 19 آذار/ مارس عام 2008 وكان عمره حينها 90 عاما. كتب ما يقارب المئة كتاب، إلى جانب عدد لا يحصى من المقالات والقصص القصيرة، وقد قدم في مجال استكشاف الفضاء والعلوم إسهامات لا تقدر بثمن.
وتكريما لما قام به، أطلق الاتحاد الدولي الفلكي اسم مدار كلارك على المدار الواقع على ارتفاع 36000 كيلومتر فوق خط استواء الأرض.
تدور معظم أحداث الرواية والفيلم حولها ضمن حكاية تمهيدية عن التقدم التكنولوجي البشري. وتنتقل الرواية بعد عرض ملخص سريع للتطور الدارويني إلى عام ١٩٩٩ عندما تتحوّل عَظْمة ملقاة في الهواء إلى محطة فضاء. مع حلول هذا العام، تصبح خدمة نقل الركّاب إلى القمر عبر المراكب الفضائية أمرا شائعا، لكن الأحداث الدرامية تبدأ مع استخراج لوح أسود غامض من تحت الأرض يرسل إشارة إلى كوكب عطارد. ثم يقفز السرد مجدَّدًا للأمام حتى عام ٢٠٠١ وتبدأ الرحلة الرئيسية مع مهمة “مركبة ديسكفري وان” المتجهة إلى زُحَل، ويقودها رائدا الفضاء “باومان” و”بول” إضافة إلى ثلاثة آخرين في حالة تنويم. تدار كل عمليات مركبة “دسكفري وان” عن طريق الكمبيوتر العملاق الذكي “هال 9000” الذي ينادونه “هال”.
يتحدث “هال” مثل البشر ويتلقى الأوامر صوتيا ويجيب عنها. بعد فترة، يصدر “هال” تقريرا حول عطل حدث لأحد الأجهزة خارج المركبة وعندما يذهب أحد العلماء لتفقده يجده سليما ثم يتصل بمركز القيادة الذي يخبره بأن “هال” مخطئ فيتوجس العالمان منه ويقررا فصل الطاقة عنه إذا ثبت خطأه. “هال” الذي لا يسمعهما يقرأ شفتيهما ويعرف مخططهما فيصاب بنوع من الجنون ويتسبب في مقتل أحد رجُلي الفضاء ويوشك على قتل الآخر الذي يضطر لتدميره.
أصبح رائد الفضاء باومان وحده على ظهر سفينة بلا جهاز كمبيوتر، ضائعا تماما، ومهمته هي استقصاء وجود جسم حجري غامض آخر على كوكب المشترى. هكذا يصل اليه ويكتشف أنه مجوّف وأنه يمكن أن يبتلع سفينة الفضاء ذاتها وهناك مجرة كاملة بداخله وبوابة تقود لبعد آخر فيرى ما لم يره بشري قبله.
في الختام، يجد “باومان” نفسه في غرفة نوم من الطراز الكلاسيكي بنفس بذلة الفضاء لكن بعمر أكبر. ثم يرى نفسه بعمر أكبر بلباس نوم على مائدة طعام. ثم يجد نفسه شيخا طاعنا في السن ممددا على سرير. ثم يرى الحجر الأسود شاخصا أمامه وبينما هو يمد يده محاولا لمسه يتحول إلى جنين حي مشع ثم يظهر في الفضاء كأنه تحول إلى نجم حول الأرض.
كان كلارك هو أول من أشار إلى أهمية الأبحاث التي تجري في ظروف انعدام الجاذبية في الفضاء لإنتاج سبائك وأدوية جديدة، حيث محطات الفضاء التي تدور حول نفسها لإنتاج نوع من الجاذبية الصناعية يساعد قاطنيها على العيش. كما توقع في عصره استخدام الأقمار الصناعية للاتصالات. كتب كل هذا بينما كان الهبوط على سطح القمر لا يزال حلما.