أنا لاجيء…

 

بقلم: د أيمن أحمد رؤوف القادري
————————————-

 

أنا… مَن أنا؟؟ مَنْ يَعلَمُ؟
أنا مَن إليه بالأكُفِّ أشَرْتُمُ
مُتأفِّفينْ…
مُتَقَزِّزينْ…
لم تَكْتُمُوا..
لم تأنَفُوا أن تَشتُموا…
أشلاءَ هَيكَلِيَ الحزينْ
***
أنا نازحٌ… أنا لاجئُ!
لم يَبتدرْني شاطئُ
عبسَتْ بِوَجْهي في الظَّلامِ موانئُ
ومساوِئي أنَّى اتَّجهتُ مَساوئُ
وبراءتي أنَّى اتَّجهتُ مَساوئُ
في خيمتي ثَقْبٌ تَليهِ قافِلاتٌ من ثُقوبْ
تَنسابُ منها لاسِعات مِن بَعوضْ
وتُعَربِدُ الأمطارُ تَبتكِرُ العُروضْ
ويَـجُوبُـها البَرْدُ العَضُوضْ
إلّا شُعاعَ الشَّمسِ…. منذُ شروقِها حتَّى الغروبْ…
سُدَّتْ قُبيلَ دُخولِه كُلُّ الدُّروبْ
ظُلَمٌ على ظُلَمٍ… وطَيفٌ مِنْ شُحوبْ…
***
في شمعتي نُتَفُ الحياهْ
وتَراقُصُ الطَّيرِ الـمُضَرَّجِ في دِماهْ
أَرنُو إلى كَأْسي… وأَبْحَثُ عَنْ مِياهْ…
والجُوع حُولي قَد تجَاوَزَ مُنْتَهَاهْ
أنَّاتُ أطفالي سَكاكينٌ تُبَعْثِرُها الشِّفاهْ
أسْمالُهُم راياتُ ذُلٍّ وانْدِحارْ
وهواجِسُ (التَّحقيقِ) تُـمْعِنُ في الحِصارْ
مَن أنتَ؟ مِنْ أَينَ انتَقَلْتْ؟
ومَتَى هَرَبْتَ؟ وَمَنْ أَعَانَكَ إِذْ دَخَلْتْ؟
إنْ كُنْتَ لم تُقتَلْ فَقُلْ لي كَمْ قَتَلْتْ؟؟
في كُلِّ يومٍ أَستغيثُ كرامتي بثَوانِ
وأَضُمُّ طَيفَ الشَّمسِ كالـنَّشْوانِ
***
أنا وَصمةٌ بثُغورِ أَشباهِ البَشرْ
أنا رَكْلةُ الكُرَةِ ارتمَتْ بينَ الحُفَرْ
أقدامُكم مِثلُ المعاوِلِ في هَشِيمٍ يَسْتَعِرْ
وعيونُكُمْ مثلُ الشَّرَرْ
لا ذَنْبَ لي في “مَلعَبِ” الأَقْدامِ
حُرَّاسُ مَرماهُ رُماةُ سِهامِ
واللّاعبونَ مُتاجِرُونَ بِلُقْمَتي ومَنَامي
ويُهلِّلُ الـجُمهُورُ كالأغنامِ
إنْ أخبرُوهُم قُرْبَ سَحْقِ عِظامي
أو يَدفِنُونَ الهامَ مِثلَ نَعامِ
“اقصِدْ وَحيدًا ساحةَ الإعدامِ”
يا أيُّها الحَكَمُ انتبِهْ
إنّي، بحقٍّ، مُشتبِهْ
في ذلك الحَكَمِ السَّمينْ
أتُراهُ فَوقَ سَريرِهِ أوْ مَلْعبِهْ
فالنَّومُ يخطَفُ جَفْنَهُ في كلِّ حينْ
وإذا استَفاقَ أفاقَ بالحِقدِ الدّفينْ
صفّارةُ التَّحكيمِ تَنبِضُ بالنَّقِيقِ وبالطَّنينْ
لنْ تَسْتَمِرَّ مُبارَياتُ الحاقِدِينْ
وغدًا يَرى الهَدَّافُ غايةَ مأربِهْ
وليركُلَنْ ما صَدَّ وَثبةَ مَوكِبِه
وغدًا تَقولُ وكالةُ الخبرِ اليقينْ:
القِرْدُ يُطْرَدُ مِنْ أعالِـي مَنْصِبِهْ
ويَعَضُّ في نَدَمٍ بقايا مِـخلَبِه
***
أنا- لو نَسِيتُمْ واقِعي- إنْسانُ
في مُهجتي شيءٌ… هو الوِجدانُ
في طِينتي تَتَلفَّعُ الأحزانُ
أحببتُكم… فَتَبَرْعَمَ الصَّوَّانُ
وتأرَّجَتْ في خيمَتي الِخيطانُ
وتَبسَّمَتْ في جُرحِيَ الشُّطآنُ
أنا ضَيفُكُم… وتُرابُكُم مَرجانُ
سأَصونُهُ… ودَمي هُوَ البُرهانُ
أنا مِنكُمُ… ونُـجومُكُم بُستانُ
سأُجِلُّها… أو يَذهَلَ الرُّعيانُ
أنا لاجئٌ… وِزْري ثقيلْ
وأنا الغريبُ، وكُلُّ أصواتي هديلْ
أنا عابرٌ هذا السَّبيلْ
في ظِلِّ دَوحٍ منْ خَميلْ
في عالَـمٍ حُرٍّ ظّليلْ
لَنْ أُنكِرَ الفضْلَ الـجزيلْ
يا إخوةَ الأُفُقِ الجميلْ.