ألنَوَّاة Nucleus..!

بقلم العميد منذر الايوبي*
أواخر شهر أيار الماضي و لِلسَنة الرابعة على التوالي كانت جزيرة قبرص – الجزء اليوناني أرضآ و أجواءً
و ماءً مسرحآ لمناورات و تدريبات أجرتها وحدات من القوات البرية و سلاح الجو في جيش العدو الاسرائيلي بألتعاون مع مثيلاتها في الجيش القبرصي . أثر انتهاءها أصدر مكتب وزير الدفاع “سافاس انجيليديس” Savvas Angelides بيانآ أعلن فيه “أن مناورات عسكرية مشتركة بين قبرص و اسرائيل قد أجريت على مدى سبعة ايام و ذلك تتويجآ للتعاون الممتاز القائم بين الدولتين”..
بالتزامن كشف الناطق باسم جيش العدو الاسرائيلي “أفيخاي أدرعي” Avichay Adraee عن هذه المناورات بوصفها محاكاة لسيناريوهات و مواجهات حربية مع تنفيذ عمليات إنزال خاطفة للقوات المجوقلة و ألدعم اللوجستي معلنآ عن نجاحها .
في هذا السياق سُجِل ما يلي : بدت هذه التدريبات المشتركة الاسرائيلية – القبرصية أكثر من اعتيادية فَالمناورة الاخيرة تحمل الرقم 12 في هذا المتسلسل مِما يؤشر الى تنامي وتيرة المناورات اضافة الى حجم القوى المشاركة و نوعيتها و شمولها مختلف صنوف الأسلحة بما فيها سرب الطائرات المُسَيَرَة
و وحدات الإنقاذ و الإخلاء الطبي . كما تميزت بقعة العمل بامتدادها على مساحة جغرافية واسعة متناسبة مع الانتشار العملاني للوحدات المُنَفِذة و التي ضمت ألوية النخبة في جيش العدو و على رأس السهم وحدة “إيغوز”.
مما لا شك فيه ان لائحة أهداف هذه المناورات سواء أعلنت أم بقيت في الظل تتضمن :
*اختبار قدرة و فعالية الجسر الجوي بين الجزيرة القبرصية و اسرائيل سواء خلال العمليات الحربية
أو في مهام الإنقاذ و إطفاء الحرائق جوآ .
*حماية ألحقول البحرية للطاقة “ألغاز و النفط” إضافة طبعآ الى عمليات ألاستخراج ، منشآت التنقيب و كذلك أنابيب توريد الغاز و النفط إلى أوروبا .
*دعم الجيش القبرصي و تحديث وسائطه الدفاعية و قدراته الصاروخية بات من الأولويات ، لا سيما بوجه استفزازات الجيش التركي و محاولاته قضم جزء من حقل الغاز الطبيعي القبرصي “أفروديت” Aphrodite الواقع شرقي البحر المتوسط و ذلك على خلفية تهديد تركيا الدائم بتحريك قواتها البحرية في حال أقدمت قبرص على بدء أعمال الحفر في القطاع 12 موضوع النزاع ..
أما الهدف الأهم و ألابرز فهو تطوير قدرات و رفع مستوى جهوزية و مهارة القوات الخاصة الاسرائيلية التي سبق و شُكِلَت (وحدات الكوماندو : البريةسيرت متكال 269 – الجوية شلداج5101 – البحرية شيطت – 13 ) و أخضعت لتدريبات متميزة كما زودت بعتاد و أسلحة خاصة لمواجهة قوات حزب الله ..
على هذا الأساس و إضافة لآسباب أخرى تتعلق بالتعاون بين البلدين تم اعتماد الأراضي القبرصية مسرحآ للعمليات “المناورات” و هي المشابهة في طبيعتها و تضاريسها لجغرافية الجنوب اللبناني بما يؤمن تآلفآ غير اعتيادي للقادة و الجنود مع ارض الميدان و يُمَكِنهم تاليآ من تطوير المعرفة التشغيلية والقدرات القتالية . كما ان بيئة العمل أُعِدَت لخوض قتال في مناطق سكنية عبر استخدام قرى قبرصية مهجورة إضافة الى تِقَنيات كشف الأنفاق و مواجهة عمليات التسلل الهجومية ألمحتملة مع محاكاة مواقف مواجهات استثنائية و حالات يسودها عدم آليقين ..
توازيآ ، اعترفت مصادر عسكرية إسرائيلية شاركت في التدريبات إنها : «تحاكي حرباً في المناطق الحضرية والجبلية التي تشبه في جغرافيتها الجنوب اللبناني معقل جماعة حزب الله في الساحة اللبنانية».. في حين علق مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 العبرية «أور هيلر » بقوله : «أكملت قوات الجيش الإسرائيلي مناورات استمرت أسبوعاً في جزيرة قبرص حيث نفذت القوات الخاصة والجوية قتالاً جبلياً صعباً ومعقداً يحاكي الحرب في عمق لبنان» ..
من جهة أخرى ، و بصرف النظر عن أية مصالح إستراتيجية مشتركة مع لبنان فإن الحكومة القبرصية حسمت وضعها العسكري و الجيوسياسي في إصطفاف و تموضع لا لبس فيه إلى جانب الدولة العبرية ، إذ ان هذه التدريبات و المناورات شكلت و تشكل عاملآ حيويآ في أداء الجيش الاسرائيلي و تكتيكاته الهجومية و بالتالي مساهمة مكشوفة و مدروسة في حال اقدام كيان العدو على ارتكاب خطيئة “حرب لبنان الثالثة” ..
هذا ألتموضع في بعده الاستراتيجي يأتي ضمن محور جيوسياسي مثلث الأضلاع مؤلف من “اسرائيل-اليونان-قبرص” من أهدافه الأساسية كبح تمدد النفوذ التركي في شرق المتوسط و احتواء تأثيراته ، مواجهة أي تحالف إقليمي يضم إيران و كذلك الدور الإقليمي لحزب الله ، بِألإضافة الى تحقيق رزمة من المصالح المشتركة للدول الثلاث لا سيما في مجالات “الأمن، مكافحة الإرهاب، الطاقة، التكنولوجيا، الاتصالات، ألحد من الهجرة الغير شرعية و مواجهة التلوث البحري” ..
على الهامش : تعتبر الوحدة 621 “إيغوز” Egoz التابعة للواء ألكوماندو “عوز” 89 Oz وحدة إستطلاع إستخبارية خاصة مدربة معدة للقتال في مناطق حضرية مع القدرة على التسلل و التخريب متخصصة في مجال مكافحة الإرهاب و حُروب العصابات المنظمة .. أيضآ تعتبر طائرة النقل العسكري “شمشون” C130 الأولى من نوعها في إطار نظامتطوير قدرات الإمداد الجوي التابعلسلاح الجو الإسرائيلي ، هي احدى طائرات سرب الدعم الجوي المسمى “سرب الأفيال” Aerial Elephants Squadron قادرة على نقل 120 جنديآ و 20 طنآ من العتاد العسكري ..
 
من على إرتفاع 13000 ft خلال العودة الى القاعدة الجوية 8 “تل نوف” الواقعة جنوب تل أبيب – تضم منشآت خاصة بألاسلحة النووية – يحدق المقدم “روعي ليفي”  Colonel Yannets Levi قائد الوحدة “إيغوز” – ترجمة الكلمة الى العربية “ألنواة” Nucleus – من النافذة الأمامية اليسرى لطائرة النقل “شمشون- تحمل الرقم العسكري 662” متأملآ الساحل الجنوبي اللبناني متفكرآ !! هو يعلم ان عرق التدريب أفضل من دماء المعركة لكنه في نفس الوقت على قناعة ان من يملك أرضه و يعرفهامنتظرآ هجوم العدو هو المتفوق ، أما العقيدة فهي عامل النصر الأكيد و هذا ما تفتقده النواة = إيغوز = Egoz  …
 
*عميد متقاعد.
بيروت في 21.06.2019