ألتَعَصُب ألقاتِل Deadly fanaticism ..

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*
“عَقلُ ألمُتعَصِب كَبؤبؤ ألعَين ، كُلما زادَ ألضوء ألمُسَلَط عَلَيه زادَ إنكماشَهُ” ..! (أوليفر هولمز)
Oliver Wendell Holmez هَذِه ألمَقولَة بأبعادِها ألدينيَة ألإجتماعيَة و الفَلسَفيَة تُلَخِصُ مَدى ألعَمَى ألكُلي ألمُتفاقِم في الانجِرافِ نَحو أفكارٍ و مُعتقداتٍ و مَواقِف مُضَلِلَة غَرَقآ في وحولِ كَراهيَةٍ و إرتكاباتٍ فاجِرَة بِلا خَلاصَ مَسلَكٌ مُميتٌ دونَ أفُق أو نِهايَة ..!
 
التَعَصُب فِكرٌ نَمَطي و سلوكٌ غيرُ سَويٍ لا مَنطقي تِجاه فَردٍ أو جَماعَة إنسانيَة ، إستِبدادٌ وَ إحتِقارٌ وَ تَمادٍ في تَعميم فِكرَة رَفضِ الآخَر وَ هَتْكِ حُقوقِهِ ، تَحَجُرٌ عَقليٌ يَستنبِطُ شَعوَذة هي خَلطَةٌ مِن تَسَلُطٍٍ وَ كَذبٍ تَتَماهى مَعِ إفتِراءٍ وَ تَشويهٍ لِلحقائقِ مَقصودٌ مُبَرمَج في أهدافِه و مَراميه ، مُستنقَع أفكارٍ خَادِعَة مُنحازَة في لُبِها سُقوط ألحَقٍ وَ تَسَيُد ألباطِل {إنَ ألبَاطِل كَانَ زَهوقَآ} ..!
في قِراءة ألتَعَصُب ، فهو إما إيجابيٌ كَ “إنحيازٌ لِفِكرَةٍ ساميَة ، مَذهَبٌ عَقلاني ، جَماعَةٌ صَالِحَة خَيِرَة ، عَقيدة عَظيمَة عادِلَة ..إلَخ” أو سَلبيٌ قائمٌ عَلى “ألرَفضِ” ألمُتَزَمِت إلى حَدِ ألقَتلِ و ألعُنفِ وَ ألتَدمِير دونَ أي وازِعٍ قانونيٍ ، دينيٍ أو أخلاقيٍ ضَميري ..!
كما يُمكِن أن يَكون ألتعَصُب لِصالِح إتجاه سَليمٍ ، أداءٌ صَحيحَ أو سياسَةٍ رَشيدَة في حين أن ألعَكس هو ألأخطر لإنحيازه بِإختِصار لِكُلِ ما هو سَيءٌٍ خاطيءٌ وَ مَذمومٌ ..! في أنواعِهِ يطال حَتمَآ مُختَلَف ألجَوانِب ألفكريَة ألإجتماعيَة وَ ألأنسانيَة ، تمييزٌ : “عُنصريٌ ، جَندَريٌ ، عِرقيٌ ، قَوميٌ أو طَبَقي ..إلخ”.
أما أخْطَرَهُ فَهوَ ألتَعَصُب ألديني ألطائفي وَ ألمَذهَبي ، جَحودٌ لِلدينِ و سُموِهِ ألإيماني ، بَعيدٌ عَن ألحِكمَةِ وَ ألصَواب يَتَمَظهَرُ في تَفاسيرَ و إجتهاداتٌ غَيرُ مَسؤولة تُزَيف ألواقِع وَ ألمَشاعِر وَ تَلوي نُبلَ ألمَقاصِد ، يَتَجَلى هذا الشعور بِصورَة مُمارساتٍ و مَواقِف مُتَزَمِتَة تَنطَوي عَلى إحتِقار الآخَر وَ عَدَم ألإعتِراف بِإنسانيَتِه وَ إهدارِ حُقوقِهِ وصولَآ إلى دَمِهِ ..
تَعتَنِقُ ألتَعَصُب مَجموعات مَأجورَةُ في مُعظَمِها تَسْتَخدِم ألدين مَطيَةً فَتُحَرِف ألشَريعَة وَ ألعَقيدَة وَ ألفِكر ، غَسلٌ لِلأدمِغَة تَلاعَب بِعُقول ألعامَة تَركيزٌ عَلى ألفِتيَةِ وَ ألشُبان ، إنتِقاءُ بيئَاتٍ مُناسِبَة أو مواليَةٍ أو فٍقيرَةٌ تَسْتَغِلُ مُعاناتَها لِتُصبِحُ حاضِنَةً لَها تُمطِرُها إجتِهادات وَ أحاديثَ مَنقولَة ، مُمَوهَة ، مُفْتَريَة ضَحِلَة “مَا أَنْزَلَ أللهُ بِها مِن سُلطان” لَكِنَها تُؤدي ألغايَة ألسَافِلَةَ ألمَنشودَة ..!
في أسبابِ هَذا ألمَقال وَ مُقَدِمَتَهُ مَقطَعُ فيديو حِواري بُثَ على وَسائِل التَواصُل ألإجتماعي يَتَطَرَقُ إلى كِتابٍ قيلَ أنَهُ يُدَرَس في ألأزهَر الشَريف تَتَضَمَن صَفَحاتُهُ فَتاوى ساقِطَة زاعِمَة : “أنَ أكل لَحمِ ألإنسانِ أو ألآدَمي أمرٌ حَلالٌ شَرطَ ألا يُطبَخ أو يُطهَى ، كَما يَجوزُ قَتلِ ألمُرتَدِ وَ أيضَآ تارِك ألصَلاة ..إلَخ”!!
هوَ أمْرٌ مُذهِلٌ حَقَآ ، مُخيفٌ إن قُرِأَ وَ عُلِم هَرطَقَةٌ وَ زَندَقَةٌ تُقَدَمُ مِن مَرجَعيَةٍ دينيَةٍ عُليا عَلى إعتِبارِها صَحيحُ ألإسلام في حِين أنَها تَشويهٌ خَطيرٌ لِلدِينِ ألحَنيف لا يُمكِن ألسُكوتَ عَنهَا بَعيدَةٌ عَن جَوهَر ألإيمانِ و فَضائِل ألدينِ و ألمَباديء ألإنسانيَة بِشَكلٍ عام ..!
 
فَراغٌ فِكريٌ intellectual emptiness ، كُفرٌ بِلُبوسٍ إيمانيٍ مُزَيَف مُعتَلَم ، إنعِدام ألرؤيَة ألصَحيحَة
وَ ألرَأي ألسَليم ألسَديد في كَراهِيَةٍ “مُتَغَرِبَة” Expatriated عَن نِعمَة ألحَياة مُنْحَةُ ألله سُبحانَهُ مُتَجَلِيَةً في رَوعَة ألخَلْقِ وَ عَظَمَة ألخَالِق ..!
عَقلٌ شِريرٌ مُغَيَب عَن وَظيفَتِهِ في ألتَأَمُلِ وَ ألتَفكيرِ وَ ألعِلمِ وَ ألإبداع مَدفوعٌ ثَمَنَهُ مَالَآ حَرامَآ مُسبَقَآ مُغَطى إستِخباراتيَآ تَحقيقَآ لِإستراتيجياتِ دُوَلٍ وَ مَصالِح .. دافِعٌ صَلبٌ إلى إرهابٍ وَ ضَلالٍ يُسَوَقُ في مَظاهِرَ وَ سُلوكيات وصولَآ إلى ألقَناعَات فَيُصيبُ مِنَ ألفَردِ وَ ألمُجتَمَعِ مَقْتَلَآ ..
إستِثارَةُ لِلغَرائِز وَ ألعَواطِفِ ألمُجَرَدَة عَن ألوَعي عَبرَ إستِنباطِ ألقَضايا ألمُعضِلَة Dilemma أو ألمُبالَغَة في تَضخيمِ ألأحداثِ وَ ألوَقائع وَ تَحريفَها وَ إستِغلالِها في أعمالٍ جُرميَةٍ لَيسَ أقل أدَواتَها وَسائِل ألتَواصُل ألإجتِماعي وَ ألإعلام وَ مَنَصاتِ ألدِعايَةِ مُلامِسَةً أحيانَآ مَنابِر ألمَساجِدِ في غَفلَةٍ عَن ألقَيمينَ ..!
يُعْتَبَر ألأزهَر ألشَريف مِن أهَم ألمَساجِد وَ ألأكثَر شُهْرَةً في ألعَالَم ألإسلامي يَعودُ تاريخُه لأكثَر مِن ألفِ عام وَ قَد سُميَ بِألأزهَر تَيَمُنَآ بِإبنَةِ ألرَسول عَلَيهِ ألسَلام فَاطِمَةُ ألزَهراءِ وَ ذِكراها .. ..
يَضُمُ في رِحابِهِ جامِعَةً هِيَ مَركَز ألفِقه أللُغَوي وَ ألتَعليم ألديني ألأَوَل تُعنى بِتَدريسِ ألعُلوم ألشَرعيَة
وَ ألعَرَبيَة وَ ألطَبيعيَة وَ ألإنسانيَة .. عُرِفَ ألأزهَر مُنذُ تَأسيسه أنه مَنارُة ألوَسَطيَة وَ ألإعتِدال جامِعَتَهُ تَعمَلُ عَلى نَشرِ تَعاليمِ ألإسلامِ وَ ثَقافَتِه وَ قيَمِهِ ألسَمحاءِ ألَتي لا تَعرِفُ شَطَطَآ في ألعَقيدَة وَ لا غُلوَآ في ألمُمارَسَة بَعيدَةٌ في مَناهِجُها عَن ألتَطَرُف وَ ألتَعَصُب ألمَذهَبي وَ ألسياسي أو هَكَذَا يُفتَرَض أن يَكُونُ ..!
عَلى هَذا ألأساس يُبنى ، فَقَد كانَ كارِثِيَآ صادِمَآ ما وَرَدَ في ألمَقطَع ألفيديوي ، مِما يَستَوجِب عَلى إدارَة ألجامِعَة وَ رَئيسها ألدُكتور مُحَمَد ألمَحرَصاوي ألتَوضيح وَ ألرُجوع عَن ألخَطَأ فَضيلَة ..
 
في نَفسِ ألسياق وَ ضِمنَ نَظَريَة ألمؤامَرَة لا يُمكِن تَجاهُل أو إهمال تِقَنياتِ مُتَطَوِرَة وَ بَرمَجيات باتَت في ألمُتَناوَل قادِرَةٌ عَلى ألتَحريفِ وَ ألمونتاج ، عَسى أن يَكون ألأَمرُ فِعلَآ جُرميَآ مُزَوَرَآ صَنيعَةُ جَماعاتٍ مُتَطَرِفَة عِدائيَة تَهَدُف إلى رَفع وَتيرَة ألعُنف “فِعلٌ وَ رَدِ فِعل” ضَحاياهُ أبرياءٌ في رِهابٍ لا عَقلانِي “إسلاموفوبيا” Islamophobia بَاتَ يُشَكِل جِزءَآ مِحوَريَآ مِن سِياسَاتِ مُعظَم مَراكِز ألقَرار وَ يَعُم ألكَوكَب في جِهاتِهِ ألأربَع ..!
خِتامَآ ، ألإسلام هوَ ذَلِكَ ألشُمول ألوجُودي Ontology دِينَآ شامِلآ حَقَآ ، مِئةٌ وَ أربَعَ عَشرَةَ سُورَة يَضُمُها ألقُرآن ألكَريم مَا تُوِجَت واحِدَة مِنْهَا إلا بِألبَسمَلَة “بِسْمِ أللهِ. ألرَحمٰن ألرَحيم” وَ ما خُتِمَت إلا بِألحَمدَلَة “ألحَمدُ لِلَهِ رَبِ ألعالَمين”،، هِيَ ألرَحمَةُ وَ ألمَغفِرَةُ وَ ألتَسامُحِ وَ ألحَمدِ مِن أعمِدَةِ الدِينِ العَظيمِ ، قَالَ تَعالَى : {إنَ الله بألناسِ لَرؤوفٌ رَحيم} ..
الإسلامُ سَلام ، رَمَضان مُبَارَك ..
بيروت في 28.05.2019
عميد متقاعد ، كاتب و باحث.