أساطير …كل الشرور خرجت من صندوق باندورا… الا الامل بقي جاثماً في قعره

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

 

عبّر الانسان منذ القدم عن كثير من التساؤلات والمخاوف الدفينة الكامنة في نفسه. ومن هذه الأسئلة:
لماذا هناك أشياء شريرة مثل الكراهية والمرض والحروب والبؤس والقتل والدمار في هذا العالم؟
من هنا أتى الإبداع البشري ليعطي الجواب على تساؤلاته من خلال العديد من الأساطير وعبر جميع الثقافات.
حاولت الأساطير تفسير بدايات الشر في الكثير من هذه القصص وعزت سبب معظم الشرور بسبب عصيان البشر للآلهة.
من هنا نشأت قصة “صندوق باندورا” وهي أسطورة من الثقافة اليونانية القديمة جداً. وهناك العديد من النصوص أو الروايات لهذه القصة قد تختلف ببعض الأسماء أو الأحداث أو الطول والإيجاز بالنسبة لعرض نص تلك الأسطورة، ولكن العبرة الكاملة والنهائية واحدة لا تتغير في جميع النصوص.
تقول الأسطورة أن “باندورا” هي أول امرأة وجدت على الأرض طبقا للعقيدة اليونانية. خلقت بأمر من زيوس، وتمّ خلقها حسب الأسطورة من الماء والتراب.
وكان هدف “زيوس” الانتقام من “بروميثيوس” الذي كان من الجبابرة. والجبابرة حسب الأسطورة هم الشعب العملاق الذي حارب إلى جانب الآلهة. لكن ما الهدف من هذا الانتقام؟
كان بروميثيوس يساعد البشر بكل ما بوسعه. ولما رآهم يرتجفون من البرد في الليل القارس ويأكلون اللحم نيئا عرف أنهم بحاجة الى نار. لكن الآلهة لم تسمح للانسان بامتلاك النار لأنه قد يسيء استخدامها وينشر الدمار بواسطتها. لكن بروميثيوس كان متأكدا بأن الرجل الصالح سيتغلب على الأمور السيئة وينتفع منها من أجل الخير ولهذا قام بسرقة النار من الآلهة ليعطيها للانسان.
عندها زيوس معاقبة بروميثيوس على فعلته بدهاء، وهكذا كان قراره في خلق “باندورا”.وحينما خلقت باندورا جعلها خالقها كنموذج الآلهة الجميلة. وقد أعطيت خصائص تتميز بها قد تكون مادية أو على شكل قوى نفسية وعقلية مثل: الجمال، الإحسان، البراعة اليدوية، الجرأة، الإقناع، الفضول، المكر، الخداع. وتمّ تزويجها إلى إبيميثيوس شقيق بروميثيوس المغضوب عليه من الآلهة، وأخبروه بأن هذه الغادة هي هدية زيوس له لقاء الغبن الذي وقع على العائلة بسبب ما فعله شقيقه. هي جميلة الجميلات، ولن يجد أجمل منها زوجة. اسمها “باندورا” أي “هدية الجميع”.
وقد أعطاها زيوس هدية يقول البعض انها عبارة عن جرة، والبعض الآخر عبارة عن مربع، وآخرون يقولون صندوق أو علبة مجوهرات وطلب منها أن لا تقوم بفتحها مطلقا وتحت أي ظرف.
تزوج إبيميثيوس من باندورا. وكانت زوجة صالحة تعتني بشؤون البيت وتتولّى الغزل والخبز والاعتناء بنباتات الحديقة. كانت تعتقد أنها وزوجها أسعد زوجين على وجه الأرض. لكنّ أمراً واحداً كان يعكر مزاجها ويشغل تفكيرها ليل نهار هو الصندوق الذهبي. كانت تضعه على المنضدة وتنظّفه وتلّمعه يوميّاً كي يعجب به كل من يراه. تسقط أشعة الشمس على سطحه يتوهج ويبرق بألوان الطيف المختلفة التي تزيده جمالا على جمال، وتضفي على نقوشه روعة على روعة.
راحت باندورا تتساءل: لماذا أهداها زيوس الصندوق مغلقاً وطلب منها عدم فتحه وقد أصبح ملكاً لها؟ وإذا كان الصندوق الذهبي بهذا الجمال والروعة من الخارج فكيف يكون ما بداخله؟
حملت باندورا الصندوق عن المنضدة أمام النافذة ورمته في غرفة مظلمة بعيداً عن عينيها وتفكيرها. لكن ذلك لم يفعل شيئاً سوى زيادة نار شعلة حب الاستطلاع الموقدة داخلها. كانت تخلق الحجج والأعذار لكي تدخل الغرفة حتى تلمس الصندوق بيديها. وجاءت الليلة الموعودة… ليلاً أضاءت أشعة القمر الغرفة. لم تستطع باندورا النوم. جلست على السرير وظلت تتلفت حولها. أرجاء الغرفة كلّها كانت تستحم في ضوء القمر. خرجت باندورا من الغرفة ومشت على أطراف أصابعها. ذهبت إلى الحديقة. الزهور والأشجار كانت تتمايل. أخذت باندورا الصندوق الذهبي وكانت ترتجف خوفاً. لكن الرغبة في معرفة ما في داخل الصندوق كانت أقوى من خوفها.
ما في داخل الصندوق، بالنسبة إليها، هو سر الحياة. ستموت حتماً إن لم تعرف ما هو.
تناولت باندورا مفتاح الصندوق من سترتها، وفتحت به الغطاء ببطء. سمعت صوت احتكاك أجساد محشورة في الصندوق، وشمت رائحة كريهة. ثم خرجت من الصندوق مخلوقات أشبه بالسحالي ذات أجنحة مثل الخفافيش، وعيون تطلق شرراً. طارت تلك المخلوقات وحامت حول رأس باندورا مرفرفة بأجنحتها وصائحة بأصوات حادة. ثم اختفت من المشهد في جنح الليل مصدرة أصوات نقنقة مثل أصوات الدجاج.
كادت باندورا تصاب بالإغماء. وفي تلك الحالة تمكنت آخر لحظة من غلق الصندوق الذهب بكامل قوتها على آخر مخلوق صغير لم يتمكن من الهرب. ثم أغمي عليها وسقط الصندوق من يدها.
المخلوقات التي كانت في الصندوق وهربت عندما فتحته باندورا، هي الأمراض التي بُلي بها الإنسان. وهي حسب الأسطورة الشيخوخة والمجاعة والجنون واليأس والفشل والحرب والخيانة والغدر وباقي عائلة الشر. ولما سارعت الى اغلاق الصندوق كانت جميع محتوياته قد تحررت منه الا شيئا واحدا بقي في قعره وهو روح الأمل. فلماذا لم يخرج الأمل حقا مع ما خرج من الشرور؟ والجواب ببساطة لأنه لو خرج انتهت الحياة. الحياة كلها تمضي بحثا عن أمل وكلما حققته تجدد من جديد. وفي اللحظة التي تتوقف فيها عن الأمل تستدعي الفناء: هذه هي حكمة أسطورة صندوق باندورا. وإن كان للحكمة وجه آخر وهو فضول المرأة الذي لا يقاوم. لكن المعنى الأكبر هو بقاء الأمل بعيدا مستعدا للخروج لكنه ينتظر من يفتح الصندوق.