أدهم خنجر الثائر العاملي وأحد المؤسسسين لمفهوم مقاومة الغزاة والمحتلين

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

مقاوم وثائر لبناني. أحد قادة مقاومة الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام. يعتبر رمزاً من رموز المقاومة العاملية. إنّه أدهم خنجر.
هو أدهم بن خنجر بن محمد بن علي الشبيب. ولد عام 1895 في قرية المروانية الجنوبية، وعاش فيها طفولته وشبابه.
ينتمي أدهم خنجر لآل صعب الإقطاعيين، وهم من الأمراء الذين حكموا منطقة الشقيف في جنوب لبنان.نشأ أدهم في أسرة ميسورة ، فسمحت له ظروفه بممارسة هواية الصيد التي أتقنها وتميّز بها.
تلقى أدهم دروسه الأوليّة في كتّاب قريته. ثم انتقل ليكمل علومه في صيدا، فدرس الفرنسية والانكليزية. غير أن اندلاع الحرب العالمية الأولى ألف وتسع مئة وأربعة عشر غيّر مخططاته، فعاد إلى قريته حيث فجع باغتيال والده فغدا أدهم مسؤولاً عن العائلة.
نشأ أدهم خنجر في بيئة جبل عامل الذي عرف لاحقاً بجنوب لبنان، والذي تميّز بخصوصية ثقافية وسياسية، ما جعله يعيش فترات من عدم الاستقرار نتيجة صراعات عديدة، وفي الوقت نفسه، كان جبل عامل مرتبطاً بالمشروع القومي العربي الذي نشأ في الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية، وخصوصاً بعد عام ألف وتسع مئة وثمانية ، حيث أتاح جو الحرية النسبية الذي تلا صدور الدستور العثماني تنامياً للأفكار القومية، ثم جاءت سياسة التتريك لتزيد هذا الشعور القومي المتنامي.
خلال الحرب العالمية الأولى، عاشت قرى جبل عامل ظروفاً صعبة بسبب سوق أغلب الشباب إلى ساحات القتال، فضلاً عن نقص المؤن الناتج عن منع نقل القمح من سوريا إلى لبنان. فعمد أدهم خنجر بالتعاون مع الشيخ أحمد مْرِيوِد في القنيطرة إلى نقل القمح على ظهور الخيل الى القرى العاملية، وبيعه دون تحقيق أرباح، ما أبعد شبح المجاعة عن الكثير من أهل تلك القرى.
مع نهاية الحرب، ودحر القوات العثمانية من جنوب لبنان، وإعلان الأمير فيصل بن الحسين قيام الدولة العربية في دمشق، سارع عدد من زعماء لبنان إلى إعلان انضمامهم إلى الدولة تلك الوليدة، ومنهم زعماء جبل عامل. ولكن القوات الفرنسية دخلت المدن الساحلية، وأنزلت علم الثورة العربية معلنة فرض سلطة الانتداب، وهو ما رفضه أغلب أهالي جبل عامل، فتسبب بقيام مجموعات مسلّحة للعمل على حفظ سيادة قرى جبل عامل واستقلالها ، ومواجهة بعض المجموعات التي راحت تعلن ولاءها للمحتل الفرنسي.
ومن هذه المجموعات المسلحة مجموعة أسسها أدهم خنجر. في هذا الوقت، برزت شخصية العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين زعيما للحركة الثورية المطالبة بالانضمام الى الدولة العربية في دمشق، وهو ما جعل قادة المجموعات المسلّحة يلجأون إليه وينضوون تحت قيادته، ومنهم إضافة إلى أدهم خنجر، صادق حمزة الفاعور، ومحمود بزّي، وحسن مهنّا.
ومع بروز الأطماع الفرنسية ومخططاتها للقضاء على الدولة العربية، ولتنظيم صفوف القوى الثورية في جبل عامل، عقد في نيسان عام 1920 مؤتمر “وادي الحجير” الشهير الذي ألقى فيه السيد عبد الحسين شرف الدين خطبة تاريخية تدعو لمقاومة الاحتلال الفرنسي والولاء للدولة العربية ووأد الفتن الطائفية والحفاظ على أمن الأهالي وسلامتهم. وقد حضر أدهم خنجر ورفاقه هذا المؤتمر، وأعلن كما قادة المجموعات المسلّحة الأخرى التزامه بما قرره المؤتمرون. وقد كان هذا المؤتمر المنطلق لمقاومة الغزو الفرنسي. فانضم عشرات الشبّان لمجموعة أدهم خنجر الذي اتخذ من قلعة الشقيف مركزاً لانطلاق عملياته، في وقت كان أهالي القرى الحاضنة الشعبية له ولغيره من المقاومين.
بدأت الثورة في جبل عامل مبكرة ضد المحتل الفرنسي، فقامت مجموعة أدهم خنجر بعدد من الغارات والهجمات على الوحدات العسكرية الفرنسية التي أخذت تتسلل إلى جبل عامل. ومن الوقائع المشهورة القضاء على وحدة مشاة فرنسية في منطقة جسر الخردلي، وإعدام العميل الفرنسي يوسف شداد عند جسر القاقعية، فضلاً عن كمين مصيلح الذي كبّد المحتل الفرنسي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات العسكرية.
ولكن، مع سقوط الحكومة العربية في دمشق بعد معركة ميسلون في آب عام 1920، تعرّض المقاومون لانتكاسة خطيرة، وبرزت بعض القوى الإقطاعية التي كانت معارضة للدولة العربية لتعمل على الوقوف بوجه الجماعات المقاومة المسلّحة فضلاً عن تهديد الناس باتهامهم بالتعاون معها وتشويه سمعتها.
انكفأ نشاط مجموعة أدهم خنجر الذي لجأ إلى صديقه القديم الشيخ أحمد مْرِيوِد في حوران. وعندما عيّن الجنرال غورو مندوباً سامياً للبنان، قرر زيارة جبل عامل انطلاقاً من دمشق مروراً بالقنيطرة فأعد له أدهم خنجر كميناً بالتعاون مع الشيخ مْرِيوِد. لكن الجنرال غورو نجا من الموت، وقتل مرافقه الخاص. وبات أدهم خنجر من أبرز المطلوبين لسلطات الاحتلال الفرنسي، فلجأ في منتصف عام 1922 الى منطقة السويداء قاصداً منزل سلطان باشا الأطرش في قرية “القريّة”. وبمساعدة أحد جواسيسهم، عرف الفرنسيون محل إقامة أدهم، فاعتقله الفرنسيّون بعدما داهموا منزل سلطان باشا الأطرش خلال غياب صاحبه.
اقتادت سلطات الفرنسية أدهم خنجر تحت حراسة مشددة إلى دمشق، ثم إلى بيروت. وخلال ذلك هاجمهم سلطان الأطرش وأتباعه في محاولة فاشلة لإنقاذه.
وفي بيروت عرض أدهم خنجر على محكمة عسكرية، قضت بإعدامه بعد محاكمة صورية سريعة. وفي صباح الثلاثين من أيار عام 1923 ، أعدم رمياً بالرصاص، ودفن في مقبرة الباشورة، ولكن محيت آثار قبره.
برغم أن حركة المقاومة في جنوب لبنان تداعت بعد إعدام أدهم خنجر، وتفرّق الجماعات المسلّحة الأخرى، فإن هذه المقاومة، كانت حلقة في حركة النضال الذي شمل بلاد الشام، وأسس لاحقاً لانطلاق الثورة السورية الكبرى، كما أسهمت في ترسيخ ثقافة مقاومة المحتل في جنوب لبنان.