حقيقة الذئاب ..!
لا تزال الأجهزة الامنية اللبنانية الاستخباراتية و الاستعلامية مُنكبة على تحقيقاتها بجدية و تعاون مُتبادل مُرتجى أثر الهجوم الإرهابي الفردي الذي استهدف مراكز و دوريات عسكرية في مدينة طرابلس و أدى الى سقوط أربعة شهداء من الجيش و الامن الداخلي .!
من البديهي ان تضيء هذه التحقيقات المجراة بإشراف القضاء العسكري على وقائع الجريمة بمختلف ابعادها تحضيرآ و تنفيذآ
و نتائج .. بالتوازي فإن الجهد الأساسي حاليآ يرتكز على رصد Observation الوسط الجرمي أو الإرهابي المعتلم بألتزامن مع جمع المعلومات و تحليلها إضافة إلى إجراء تقاطعات Intersection Information لمتغيرات تقنية و أخرى سلوكية متكررة عشوائية Randomness أحيانآ ، بما يقود الى إستخلاص Extraction المعطيات الكفيلة بتفادي أو إحباط هجمات أخرى قد تحصل تؤدي الى خسائر بشرية و مادية مؤلمة كما تضرب الثقة و الحرفية المشهودة لِلأجهزة الأمنية اللبنانية المنخرطة في حربها على الإرهاب ..
تاليآ تأتي حصيلة العمل الميداني المشترك لتبلور نجاح التنسيق ألأمني بين الدوائر الاستخباراتية ألأربعة “مخابرات الجيش – فرع المعلومات – الأمن العام – امن الدولة” و تضمن توطيد الأمن الوقائي الاستباقي و تحصينه بنسبة مرتفعة في حين يبقى للصدفة هامشها الضئيل ..!
من جهة أخرى ، و بعد خفوت موجات الضجيج المنبعثة بصورة طبيعية من هول هجوم ارهابي كهذا إضافة آلى ما تناسل من تعليقات اجتماعية و تحليلات مع تحول وسائط الإعلام التي كانت تضيء على الحدث و تتابع شوارده الى أماكن و احداث أخرى كذلك رواد وسائل التواصل الاجتماعي و “الذباب الإلكتروني” فإن جملة ملاحظات و تساؤلات يمكن إستشعارها وِفقآ لما يلي :
يعتبر التوقيت عاملآ هامآ و اساسيآ يدخل ضمن شروط نجاح أية معركة عسكرية أو هجوم ارهابي و في تحديده ترتسم دلائل عن ظروف و أسباب و أهداف الهجوم ..
في إعتداء طرابلس كان تحديد الزمان و التوقيت ليلة عيد الفطر ، ساعة الذروة للتسوق استجابة لفكرة الصدمة بث الرعب و ضرب الحركة الاقتصادية . كذلك ساهم في إرباك القوى الأمنية بِدايَةً فالتحرك تم ليلآ بواسطة دراجة نارية و من مكان الى آخر إضافة الى غزارة في النيران للإيحاء بضخامة المجموعة المهاجمة .
أتى اختيار طرابلس العاصمة الثانية كهدف استراتيجي يتوائم
مع نظرية البيئة الحاضنة نَظرآ لِانتماء معظم أهلها إلى ألطائفة الإسلامية “المذهب السني” كما انها مدينة المهاجم المعروفة منه جُغرافيَآ بتفاصيلها مما يسمح له بحرية المناورة و سهولة التحرك و بالتالي الفرار إذا تمكن ..
في خلفية العمل الإرهابي .! تعتبر الخلية الارهابية في هذا الهجوم نشطة Active Terrorist Cell هي تختلف في عملها ، بنيتها ألشبكية Net Structure ، خططها و نوعية التنفيذ عن عمل الذئاب المنفردة Lone Wolves كما ان كشفها و متابعتها و توقيف أعضاءها اسهل .
أما في حال ثبوت المدعو عبدالرحمن مبسوط “ذئب منفرد” فهذا يعني وجود مجموعة منها غير معتلمة قادر كل منها على التفلت و التحرك بيسر مما يقتضي البحث عن “الوكر” Den ، إذ ان الذئاب في عالم الحيوان “تتمركز في مساحة جغرافية واسعة يكون الذئب فيها من ضمن قطيع منتشر لكنه يصطاد فريسته منفردآ” و هذا ما ينطبق على المجموعات الارهابية .
في استهداف الأمن القومي الوطني .! تبدو المشهدية مركبة مرتبط لُبَها بالهوامش سواء كانت بعض أجزاءها من أسباب الهجوم او انعكاساته ، و منها :
أتى الإعتداء الإرهابي في لحظة حرجة مأزومة داخليآ ، فالخلافات مستحكمة بين ألأفرقاء السياسيين و “السنية السياسية” كما تسمى باتت مستهدفة في رئاستها و مناصبها مما يجعل شارعها قابلآ للإهتزاز ..
تجاهل قانون العفو العام رغم الوعود المتكررة زمن الانتخابات
و الذي يشمل في معظمه إسلاميين هو صاعق جاهز للتفجير في أية لحظة ..
مُنِحَ الإرهابي عبد الرحمن مبسوط اسباباً تخفيفيّة لحكم من الدرجة الأولى سَبَقَ و صدر بحقه بجرم الانتماء لتنظيم ارهابي بدعم من سياسيين و أمنيين ، ألأمر الذي سخف علاقته البينية التفاعلية مع المجتمع و رفع مستوى سلوكه الكلي Holistic و تعلقه بنظرته العقائدية الدينية المتطرفة ..
استفحال الصراع القضائي – الأمني أصاب بنيتهما مقتلآ ، هو نقطة ضعف مخيفة تسمح بتسلل الخلايا الارهابية دون وجل
و ترفع من إمكانية تملصها بعيدآ عن أي رصد أو مراقبة حثيثة مفترضة ..
معابر التهريب الحدودية أحدى الثغرات التي يصعب ضبطها ميدانيآ مما يستوجب على مستوى جهوزية و فعالية الاستقصاء المخابراتي ..
الوضع المالي و النقدي ، الخلافات على بنود الموازنة ، القلق المتنامي على مستوى الشرائح المحدودة و المتوسطة الدخل ، المطالب الشعبية المعيشية “اعتكاف القضاة – تحرك العسكريين المتقاعدين – إضراب اساتذة الجامعة اللبنانية إلخ.” كل ما ذكر أضفى جوآ رماديآ على البلاد مناسبآ لأي حراك متطرف يضرب من ضمن أهدافه الموسم السياحي المرتقب ..
بألتزامن ، جاء استهداف العسكريين و رجال الأمن فقط في الهجوم الإرهابي متناغمآ مع مشهد التفلت الأمني “وفق نظرية المؤامرة” : الاعتداء على الجيش اللبناني في البقاع الشمالي و المعارك المحتدمة لا المناوشات مع المسلحين ؛ إغتيال مسؤول العلاقات العامة في الجماعة الإسلامية الدكتور محمد جرار ألمسؤول أيضآ عن منطقة شبعا ذات الأهمية الاستراتيجية ، التطاول على المؤسسة العسكرية من خلال قضم ميزانيتها وصولآ الى أكاليل الشهداء بوقاحة مشهودة مع قرار وقف التطويع و الترقية بما يؤدي الى إصابة معنوياتها في الصميم و هذا امر غير مسموح بالمطلق ..
على صعيد الإقليم ؛ لا يمكن عزل ما يجري عن الإطار العام للواقع الميداني بِدءآ بِتصاعد وتيرة الحرب في اليمن سواء نوعية الأهداف قصف “مطار آبها” أو الأسلحة الدقيقة المستخدمة صاروخ “كروز” Cruise Missile الجوال المجنح ، استهداف السفن الأربعة بالقرب من ميناء الفجيرة ، تدمير محطتي انبوب النفط في المملكة السعودية ، مواصلة القصف الاسرائيلي على الأهداف الإيرانية في العمق السوري .. مثابرة على الحصار البحري و العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على إيران ، استهداف ناقلتي نفط عملاقتين في بحر عمان صباح اليوم بطوربيدين مما ادى الى احتراق اجزاء منهما و وقوع إصابات بشرية ..
إستطرادآ ، إن تحليل الدوافع الشخصية و النفسية لمنفذ الهجوم “الذئب المنفرد” لا تعني مطلقآ “التخدير المجتمعي” ففيه ذروة التضليل إذ أن ألبراغماتية تفرض كشف قناعته الأيديولوجية الدينية المتطرفة “غزوة في سبيل الله” وفق ما نطق إضافة إلى حسن درايته و جهوزيته العالية خبرة و تدريبآ و هذا ما يجب ان يكون فوق كل اعتبار ..
ختامآ ، ليست العملية رسالة بالنار و لا مدينة طرابلس ملعبآ خلفيآ للإرهاب و تنظيماته أو صندوقة بريد هذا أمر طواه الزمن منذ عام 2016 ، كما ان حالة الأمن الهش لا مكان لها إذ ان آلة القتل قادرة
و إن بصعوبة على التحرك إلا ان الإمساك بمفاصل الأمن بِعناية مشددة دون إهمال التفاصيل كفيل بها أما فرضية دخول لبنان في مسار متفجر جديد فهو امر سابق لأوانه حتى الآن ..
في “الميثولوجيا الإغريقية” Greek mythology و حقيقة الذئاب قيل : “ليس الذئب شيطاناً و لا قديسا أيضآ ، إنه ببساطة حيوان مفترس كبير.”