مقاربة سحب السلاح المطروحة تعني مجازر وحروب فناء للبنان وأهله

بقلم : عباس صالح*

يعرف رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون، كما رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، جيداً ان توازنات البلد دقيقة جداً، وامتيازاته مقسَّمة بموازين حكماء ..

كما يدرك الجميع أن أي لعب في هذه التوازنات ستكون كلفتها بالحد الادنى نسفاً بنيوياًللصيغةالتي أدت لتفاهمات العام 1989 في مدينة الطائف، المعلنة منها وغير المعلنة، ولا سيما تلك التي أنهت فعلياً الحرب الاهلية، والاقتتال الطائفي، وأوقفت المذابح والمجازر التي شهدها لبنان بين العامين 1975 وال1990.

ولا يخفى على احد ان لبنان، لم يتمكن حتى الان من بناء جيش قوي ومتين وقادر على صدِّ الاعتداءات الخارجية بسلاحه الحالي واعتدته المتواضعة، وان جيوش الكون بأكمله، وحتى الجيوش القوية والقادرة تلجأ الى الاستعانة بفئات من المواطنين والقوى الجماهيرية الحية داخل اوطانها عندما تتعرض بلدانها لحروب خارجية وتخوض معارك الدفاع عن الوطن بتضافر جيشها مع ابناء البلد واحزابه وكل قواه الحية، فضلاً عن قدامى القوى المسلحة وسواهم من الفئات الشعبية.

وقد بات معروفاً اليوم حجم الاخطار المحدقة بلبنان من كل حدب وصوب، والاطماع الخارجية المتربصة بأرضه وشعبه وخيراته وثرواته الطبيعية، كما ان الدبلوماسية لم تنتج يوماً حلاً ولا يمكن من خلالها حماية لبنان، بالاستناد الى تجارب الكون كله، ومع الكثير من دول العالم، كما الى التجارب اللبنانية الذاتية مع القرارات الاممية التي اتخذت لصالحه مراراً، لكنها لم تنفذ، بل لم تُحترم يوماً، وتُضرب في عرض الجدران، وآخر الدلائل الحية والقائمة حالياً هو “تسلل” العدو الاسرائيلي الى ارض لبنان بعد الاتفاق على وقف النار مع لبنان برعاية دول عظمى، واحتلاله 5 نقاط وتوسيعها الى سبعة مواقع، بعد ان التزم الجانب اللبناني التزاماً صارماً وما يزال، فيما تواصل إسرائيل عربدتها في الاجواء اللبنانية وعلى الارض على مدار الساعة، وتمنع اللبنانيين من اعادة بناء منازلهم والعودة الى ارضهم وقراهم، ومواصلة عمليات القتل اليومي للمواطنين داخل بيوتهم وسياراتهم على عيون رعاة الاتفاق، وهي تمارس كل انواع الاجرام المنظم  وترتكب المجازر، فماذا فعلت الدبلوماسية معها ؟ وماذا فعلت العلاقات مع دول القرار والقوى العظمى ؟ هل اوقفت عداد القتل اليومي والخروقات المتمادية في طول البلاد وعرضها؟

الاجوبة على هذه الاسئلة وسواها، باتت معلومة كما يعرف الكل طبيعة وحجم الاخطار الاخرى المحدقة ب”الشعوب” اللبنانية، من كافة حدود البلاد، وكذلك من الداخل، حيث هناك اعداداً هائلة من المخيمات والتجمعات التي تحوي مئات الالاف من ارهابيين مسلحين مرتبطين بأجندات خارجية، وافكار هدامة، قادرين على خربطة الاجواء في اي لحظة والعودة بلبنان الى ما قبل الحرب الاهلية وربما اجتياح مناطق بأكملها في خلال ساعات بهدف تغيير واقعها الديموغرافي والامني، في عمليات مشابهة لما حصل في دول جوار كان لديها من الجيوش القوية والمتينة ما يفوق الجيش اللبناني عدداً وعتاداً وتجهيزات، والكل يعرف جيداً ان الجيش اللبناني وحده لن يتمكن من ضبط هذه “الموجات” الارهابية المدججة بمساندة خارجية، اذا ما قيد لها ان تنفجر في لحظة تقاطعات دولية واقليمية مؤاتية..

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: اذا كانت هذه الاخطار وحدها دون سواها من الاخطار الكبيرة والمهولة التي لا يتسع مقالاً لتعدادها وذكرها، هي التي تحيق بالبلاد كيف لمسؤول ان ينحو في اتجاه قرار يجرد فئة شعبية أساسية من ابناء الوطن تقاوم المحتلين والطامعين على انواعهم من اسلحتها النوعية التي لا يمكن استخدامها الا في الحروب الخارجية؟ بل كيف لهذا المسؤول ان يطرح فكرة تجريد الدولة من ابرز اوراق قوتها وحمايتها الذاتية؟

وبغض النظر عن موقف الجهة المعنية بالسلاح، وموقف البيئة التي تنتمي اليها، والتقديمات وانهار الدماء التي بذلتها حتى الان للحفاظ على هذه الورقة التي تصب في نهاية المطاف في خانة تعزيز حماية الوطن من الاخطار، ويستفيد منها كل اللبنانيين ودولتهم، وهي تدرك مسبقاً ان القتل والتشريد هو ما ينتظرها بعد السلاح، والمشهد الماثل  امام الجميع اليوم هو ما حدث لاهالي مخيمي صبرا وشاتيلا بعد خروج السلاح الفلسطيني من بيروت في العام 1982، والمجازر التي ارتكبت بحق الاهالي العزل والتي حصدت ارواح زهاء 7 الاف فلسطيني وليناني بين طفل وعجوز وامرأة ومدني .

وتأسيساً على ذلك وعلى حالات كثيرة مماثلة في الداخل والخارج، وآخرها ما يحصل في سوريا اليوم مع من ألقوا اسلحتهم، فإن الاستنتاج البديهي لمسار الامور هو ان التعنت في هذا الاطار، من قبل الجهات الاخرى سيدفع الجهة المستهدفة، الى القول اذا كان لا بد من الموت فإننا نفضل الموت وقوفاً، ولن يقتصر الموت علينا وحدنا.. بمعنى ان السلاح له وظيفة محددة هي الدفاع عن لبنان وعن اهله من الاخطار الخارجية ، وحين يتماهي بعض الداخل مع العدو الخارجي (كما حصل في صبرا وشاتيلا) يصبح الدفاع عن حياض الوطن  فضيلة، وبالتالي يصبح التمسك بالسلاح واجباً وطنياً مقدساً. وستتم المواجهة داخلياً وخارجياً. والقدر المؤكد ان لبنان لن يخرج منها كما هو حاله اليوم.

على هامش هذه المسلَّمات، استنتاجات كثيرة تدفعنا الى الخوف على مستقبل لبنان، فيما لو تم الانزلاق الى التعاطي برعونة وخفة مع هذه القضية الحساسة،  وهو ما ينذر بجحيم كبير وحروب أهلية طاحنة لن تبقي ولن تذر. وعلى قاعدة انه اذا لم يكن من الفناء بدٌ، فان الفناء سيكون لكل المتآمرين مع الاعداء، ولن يقتصر على فئة واحدة ذنبها انها دافعت عن ارضها وحمت ارواح ابنائها وارواح كل اللبنانيين معهم.

من هذا المبدأ، فإننا كمواطنين لبنانيين ننشد السلم الاهلي، والسلام للوطن، والسلامة لابنائه جميعاً، ما زلنا نراهن على حكمة المسؤولين والعقلاء ممن تقلدوا المسؤوليات والمناصب العليا في هذا الوطن، ليتداركوا الوقوع في الفخاخ التي  تنصبها جهات معادية للبنان، ومن يتماهى معها في الداخل، وخاصة اولئك الذين جروا البلاد مراراً للحروب والفتن الداخلية، ولم يفلحوا يوماً في تنفيذ مشاريعهم الهدَّامة..

وعلى أمل أن لا يفلحوا هذه المرة في جر البلاد مجدداً، الى مآربهم الإلغائية، وحروبهم التفتيتية، وعبثياتهم الجبانة، نتمنى من المسؤولين وفي طليعتهم رئيسي الجمهورية والحكومة ان يقاربا هذه الامور بموازين الحكمة وحدها وبالاستناد الى المصلحة اللبنانية دون سواها من اي تأثيرات خارجية او داخلية متماهية معها، لكي لا نصل جميعاً الى يوم نردد فيه مع والدة اخر ملوك الاندلس “ستبكون كالنساء، وطناً لم تحافظوا عليه كالرجال“.

واجب المسؤولين الحفاظ على الوطن، او ما تبقى من وطن، وتجنيبه الوقوع في الفخاخ المرسومة، في اطار الخريطة الجديدة للمنطقة، والتي لا أثر فيها لوطن اسمه لبنان، على أي حال ، وهذا ما بات معلناً على مستوى ارفع دوائر القرار في العالم، وعلى رؤوس الاشهاد . 

———————————

* رئيس تحرير “الدنيا نيوز”