تحوّلات أميركية عميقة إزاء المنطقة تغلب “الحلول السلمية” على المنحى الحربي

“الدنيا نيوز”

 

بقلم : عبد الهادي محفوظ*

خلال جولة قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع السفراء العرب والأجانب في الجنوب اللبناني، سأله السفير الأميركي ميشال عيسى :”ما يقوم به الجيش الاسرائيلي في لبنان من أجل نزع سلاح حزب الله أليس عنصرا مساعدا للبنان”؟ وكان جواب القائد :

1- السلاح شأن لبناني.
2- أنا ضد تدمير أي منزل أو عقار أو إصابة أي لبناني.
3- لتنسحب اسرائيل من الأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان والموضوع اللبناني بما فيه حصرية السلاح نحن نعالجه.

وحول مراحل خطة الجيش اللبناني كان سؤال أحد الملحقين العسكريين من الأجانب. وكان جواب هيكل: “أيضا إنهاء المراحل بما فيه المرحلة الأولي ترتبط بإنهاء الإحتلال الاسرائيلي للنقاط الخمس والإنسحاب العسكري الاسرائيلي من الجنوب وتنفيذ القرار ١٧٠١”.

لا شك أن السفراء العرب والأجانب بما فيهم الملحقين العسكريين كانوا مقتنعين بأن قائد الجيش ينجز ما هو مطلوب من المؤسسة العسكرية بالنسبة للمرحلة الأولى وأنه على اسرائيل أن تقوم بما هو مطلوب منها. ومع ذلك ثمة خشية ديبلوماسية غربية من اللقاء المرتقب في التاسع والعشرين من هذا الشهر بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يحمل معه خطة عسكرية تستهدف ايران وحزب الله في آن معا. فهذه المصادر الديبلوماسية الأوروبية الغربية تعرف أن نتنياهو يبحث عن حرب مفتوحة مع لبنان هروبا من استحقاق محاكمته. كما أن الحرب تساعده في الإنتخابات المرتقبة القادمة وتشل من دور المعارضة الداخلية. لكن هذه الحرب تحتاج إلى موافقة من الرئيس الأميركي ترامب لأن التورط العسكري الاسرائيلي ضد ايران غير ممكن من دون مشاركة عسكرية أميركية فعلية. ومثل هذا الأمر القرار الأميركي فيه ليس سهلا لأنه يحمل مؤشرات فوضى كاملة في المنطقة تخرّب كل الحسابات الأميركية بأن تكون واشنطن هي الفاعل الرئيسي الدولي بمشاركة باقي اللاعبين.

ليس من الضروري إطلاقا تلاقي مصالح ترامب ونتنياهو بشكل حاسم خصوصا وأن  ردم شقة الخلافات بين واشنطن وطهران قد ضاق كثيرا سواء حول الملف النووي ومستقبل حزب الله وأيضا حول حدود النفوذ الايراني. فالوسيط الفعلي في التفاوض حاليا بين طهران وواشنطن هو دولة عمان المتفائلة في حدوث تفاهمات قريبة بين الطرفين. ولهذا السبب تتكلم واشنطن عن “احتواء حزب الله” من دون اللجوء إلى حرب مفتوحة وإن كانت تسمح لاسرائيل حاليا في ضربات عسكرية محدودة.

والملاحظ أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتطلع إلى المزاوجة بين ظاهرتين : ظاهرة أن يكون سيد العالم وظاهرة أن يكون سيد الولايات المتحدة الأميركية من دون منازع. وهذا يفترض “تعقلا أميركيا” في الشرق الأوسط لا انجرافا وراء سياسات نتنياهو. ففي المعلومات أن الرئيس الأميركي يريد استبدال ٣٥ سفيرا أميركيا بسفراء تابعين له طالما يعتمد على مساندة الكونغرس والمحكمة العليا وعلى عدم وجود معارضة داخلية قادرة على لجمه. أي أنه يريد أن يقول أنه قادر على فعل ما يشاء في “الداخل الأميركي” تحضيرا للتحكم بالسياسة الخارجية الأميركية بالعالم وفي القرار الدولي.

نحن إزاء تحوّلات عميقة في الداخل الأميركي وفي المنطقة. وكلها تقتضي منطقيا تغليب “الحلول السلمية” على المنحى الحربي علما بأن جهات ديبلوماسية غربية في لبنان تحرص على عدم تعريض جهازها الديبلوماسي إلى أي مخاطر ولهذا مددت وجود ديبلوماسييها في الخارج خلال فترة الأعياد إلى التاسع من الشهر القادم. وكل ذلك من باب الحذر والشك ليس أكثر.

——————————————-

* كاتب سياسي، رئيس المجلس الوطني للاعلام