السِلم الأهلي فوق كل الاعتبارات .. الجيش يحمي السر الوجودي للبنان
العميد منذر الأيوبي*
في لحظة تتشابك فيها الضغوط الخارجية مع هشاشة الداخل اللبناني، أعاد قرار واشنطن إلغاء اللقاءات التي كانت مقررة مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وما ترتّب عليه من تأجيل الزيارة، طرح الأسئلة حول موقع المؤسسة العسكرية ودورها في خضم المرحلة. غير أنّ هذا التطوّر، مهما بلغت دلالاته السياسية، لا يغيّر في جوهر النهج الذي اعتمدته القيادة العسكرية: إدارة اللحظة بهدوء، وقراءة المشهد بمعايير المصلحة الوطنية لا بردّات الفعل.
الجيش اللبناني، عبر قيادته الحالية، أثبت قدرة نادرة على التعامل مع التوازنات الدقيقة في بلد قائم على تقاطع حساس بين ما هو ثابت وما هو قابل للاشتعال. ورغم تعدّد الضغوط والتجاذبات، بقيت المؤسسة العسكرية على مسافة واحدة من الجميع، حريصة على الاستقرار، ملتزمة بما تقرّره الدولة حصراً، لا بما يُفرض عليها من الخارج أو الداخل. هذه المؤسسة ليست امتداداً لأي محور، بل آخر أعمدة التوازن التي لم تنزلق يوماً إلى لعبة الحسابات الضيقة.
أما الطروحات التي تتحدث عن دفع الجيش إلى صدام داخلي، فهي تعكس جهلاً بطبيعة البنية اللبنانية وبماهية دور المؤسسة العسكرية. من يعرف تاريخ الجيش يدرك أنّه لم يكن أداة لتصفية الخصومات، ولا منصة لفتح جبهات داخلية. أي مواجهة من هذا النوع تعني ضرب آخر خطوط الأمان الوطني، وهو ما تدركه القيادة وتتعامل معه كمسؤولية وجودية.
في ضوء ذلك، يفرض الواقع على الشركاء الدوليين قراءة أكثر عمقاً لموقع الجيش ودوره. فالمؤسسة العسكرية تعمل وفق خطة واضحة وإيقاع منضبط، وتضع السلم الأهلي فوق كل اعتبار. أما محاولات الضغط أو التشكيك أو محاصرة الجيش سياسياً وإعلامياً، فلا تؤدي إلا إلى إضعاف لبنان نفسه، وليس قيادته العسكرية التي أثبتت قدرتها على الصمود في وجه آلاف الضغوط.
التجارب المتراكمة جعلت من الجيش اللبناني مؤسسة صلبة رغم التحديات، خبرت العواصف وبقيت واقفة. وهذا ما يجعل دعمه واجباً وطنياً لا نقاش فيه، بينما يصبح التشكيك بدوره مغامرة باهظة الكلفة على بلد لا يملك ترف المخاطرة.
في الختام، يبقى السلم الأهلي الحدّ الفاصل بين الدولة والفوضى، والجيش صمّام هذا الحد. المسؤولية اليوم تقتضي أن يُترَك ليؤدي دوره بعيداً عن الضوضاء، باعتباره آخر المؤسسات القادرة على حماية ما تبقّى من توازن لبنان الوطن..
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.