الجنوب اللبناني.. من إدارة النزاع إلى إعادة هندسة السيادة..

خاص – “الدنيا نيوز”

 

بقلم العميد منذر الأيوبي *

في مُستجد خَطِر لا يقارب تفصيلاً تقنيًا ولا اقتراحآ أمنيآ ظرفياً؛ ما تداولته اليوم وسائل الإعلام عن طرح إسرائيلي يقوم على تقسيم جنوب نهر الليطاني إلى ثلاثة مناطق مُحدَدَة الخطوط مموهة الألوان، فإن مجرّد وضعه ملفآ ذو خارطة على طاولة لقاء ترامب- نتنياهو في 29 الجاري (يصبح غير قابل للتمزيق، كما فعل مندوب اسرائيل في ميثاق الأمم المتحدة ومن على منبرها)؛ بالتالي يكشف تحوّلًا نوعيًا في مقاربة الاحتلال الاسرائيلي للمواجهة سواءً مع الدولة ام المقاومة: انتقال من منطق إدارة الاشتباك إلى محاولة إعادة تنظيم الجغرافيا والسيادة وظيفيًا.

وفق ما نُشر، يقوم التصوّر على إبقاء الخط الأزرق مرجعية حدودية دولية، مقابل إنشاء خط أمني متقدّم داخل الأراضي اللبنانية، يليه خط ثالث يُسمّى «خط ذات الاهتمام» Line of Interest يُدار بشروط خاصة تطال الحركة والسكن وربما عودة السكان. هذا التقسيم، بتسمياته ووظائفه، لا يشير إلى حدود جديدة بقدر ما يشير إلى طبقات سيطرة متراكبة تحليلآ:

١- ينتفي دور الخط الأزرق في تثبيت السيادة ليصبح استخدامه غطاءً قانونيآ. إذ يُستدعى او يُلحظ لتأكيد احترام القانون الدولي شكليآ، فيما يجري تفريغه من مضمونه العملي عبر نقل مركز الفعل إلى خطوط أخرى داخل الأرض اللبنانية.

٢- «الخط الأحمر»،Red Line أي الخط الأمني، فيشكّل جوهر المشروع. وجود عسكري إسرائيلي مباشر أو غير مباشر، عبر نشر آليات أو تجهيزات ووسائل تكنولوجية على امتداد المرتفعات والنقاط المتعرّجة داخل الأراضي اللبنانية، ما يعني عمليًا إعادة إنتاج مفهوم “الحزام الأمني” بصيغة محدثة Updated Format of Security Belt . ليكون الفارق الوحيد هو الشكل، لا الوظيفة، وجود أمني دائم دون تحمّل تبعات الاحتلال القانونية.

٣- «خط ذات الاهتمام» أو «الخط الأخضر»،Green Line وهو الأخطر سياسيًا. إذ يدخل في تنظيم الحياة المدنية، منطقة تُفرض عليها شروط دخول وإقامة، تُعلّق فيها عودة السكان، لتُدار تحت عناوين الاستقرار أو التنمية أو الاقتصاد. ما يعني نقل جزء من الأرض اللبنانية إلى فضاء مُدار بشروط غير لبنانية، حتى لو جرى ذلك تحت إشراف دولي أو برعاية أميركية.
في هذه النقطة، يسقط الادّعاء ان الأمر يدخل في إطار إدارة أزمة. اذ ان إدارة النزاع لا تبرّر إعادة رسم الجغرافيا، ولا تعليق الحقوق المدنية، ولا فرض أنماط حياة وشروط سكن على مواطنين داخل دولتهم. هنا نكون أمام إحتلال للأرض وتدجين مقنع للشعب في آن..

هذا الطرح بمجموعه يتجاوز، عمليًا، القرار 1701 وغير مدرج في متونه اساسآ. فالقرار، مهما كانت ملاحظات لبنان عليه إلا انه يتمسك به مستمسكأ دوليآ لإنهاء الاحتلال، لم يرد في فقراته اي بند يخلق خطوطآ إضافية، ولا تأسيس مناطق خاضعة لشروط سكن، ولا على أي وجود أمني إسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، أٰ كان مباشرةً أم بشكل غير مباشر. بالتالي فان أي محاولة لتكييف هذا التصور مع 1701 لا تكون تفسيرًا، بل إفراغًا للقرار من مضمونه..

الأشد خطورة من كل ما تقدم هو الفلسفة التي يقوم عليها الطرح: سيادة مجزّأة وظيفيًا. شرعية دولية على مدونة ورقية، أمن إسرائيلي مُحقّق ومفروض ميدانيًا، وإدارة دولية مُزيفة للحياة والموارد. في هذا النموذج، تصبح الدولة حاضرة في النصوص، محدودة في القرار، ومشروطة في الميدان..

من هنا، حذارِ؛ لا يمكن التعامل مع هذا الطرح كموضوع تفاوضي عادي. موقف لبنان المُعلَن، والمتمثّل بعودة الأهالي ووقف الاعتداءات، ليس سقفًا تفاوضيًا مرتفعًا، بل الحدّ الأدنى السيادي. أي نقاش يقفز فوق هذا الحدّ او يراوغ عليه لا يدخل في إطار تسوية، بل في مسار إعادة تعريف الدولة من الداخل..

في المُحصِلة، المسألة، في جوهرها، ليست ثلاثة خطوط، ولا إحداثيات جغرافية مُحدَثَة؛ بل سؤال واحد: هل يُراد للجنوب أن يكون جزءًا من دولة ذات سيادة كاملة، أم مساحة مُدارة من الإحتلال ضمن توازنات أمنية إقليمية..؟ الفرق بين الخيارين ليس تقنيًا…!!

*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية و الاستراتيجية.

—————————

*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية و الاستراتيجية.

📢 اشترك بقناتنا على واتساب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.
انضم الآن