الْوَعْيُ… رقصة الكون على نغمات الزمن..!
خاص – “الدنيا نيوز”

بقلم العميد منذر الايوبي *
مُذْ فتح الإنسان عينيه على الوجود، لم يتوقف عن التساؤل: مَن يَرى مَن..؟ هل نحن الذين نتأمل الكون، أم أن الكون يتأمل فينا او من خلالنا..؟ هو “الوعي” -موضوع مشوق لا تختصره عُجالة- .. تلك الشرارة الغامضة التي تجعل من الجسد والفكر كيانًا واحدًا، لغزًا لا يخضع لتشريح ولا يُختزل في معادلة رياضية. كل تفسير قدّمه العلم، ترك وراءه مساحة من صمت ودهشة.!! كيف لكتلة من خلايا أن تدرك وجودها..؟ وكيف للحياة أن تنظر إلى ذاتها وتقول: “أنا”..؟
وفي لحظةِ تمييز صوته الداخلي بدأ يسأل نفسه قبل أن يسأل الكون: لماذا فعلت هذا..؟ لماذا ندمت..؟ ولماذا ارتحت عندما قلت الحقيقة..؟ هكذا إقترب الوعي منه وسكن وجدانه .. ليس كفكرة بعيدة، بل كسلوك صغير يتكرر كل يوم..!
ومع مواصلة بحثه عن أسرار الدماغ، محاولآ شرح كثير من آليات التفكير والانفعال، وقف امام جدار الإستحالة معترفآ أن ثمة شيئ ما غير خاضع لقياس. ذاك الذي يجعله يتوقف، يُقدِمُ او يتفاعل مع مجريات الحياة… هذا الجزء الغامض من الإدراك هو ما يمنح الوعي ملامحه الحقيقية.
في رؤية فلسفية؛ الوَعي نَفَسٌ يسري في أصل الأشياء. كما لو أن المادة ذاتها تمتلك نواة إدراك، تنتظر الشكل المناسب لتتكلم. وإستنادآ، نحن إحدى لغات الوجود ينطق بها وعي كوني أزلي، يسعى في كل ذرة إلى أن يُعْرَف. وإن خيطآ رفيعًا يربط الكائن البشري بالعالم.. قد تكون هذه الرؤى صحيحة أو مجازية، لكنّ حياتنا اليومية تكشف جانبًا أبسط: الوعي يظهر حين نختار، حين نتصرف، نعترض، نراجع، نُصلح، نغيّر؛ إنه طريقة الإنسان في العيش مع نفسه والناس..!
فيما الأديان تحدّثت عن يقظة داخلية، وجّهت نظر الإنسان إلى سلوكه قبل أن تذهب به إلى أسرار السماء: كيف تعامل الآخرين..؟ هل تجرح بسهولة..؟ هل تلاحظ أثر كلماتك..؟ هل تخشى الخطأ لأنه خطأ أم خوفًا من عاقبته..؟ هنا تتضح العلاقة بين الوعي والصواب، بين الضمير والخشية. فالخوف وحده لا يصنع إنسانًا واعيًا؛ ما يصنعه قدرة على رؤية أثر أفعاله، ورغبة صادقة في أن يصبح أفضل..!
بين الحتمية والصدفة، يقف الإنسان على حَدٍ فاصل بين عِلمٍ وحُلُم، بين الإدراك العقلي والبُعد الروحي. لا يملك اليقين الكامل، لكنه يحمل رغبة عميقة في الفهم، والرغبة الأعمق أن يكون لهذا الفهم معنى.. وفيما نتأمل ذواتنا لا نكتشف أنفسنا فحسب، بل نكشف الكون ذاته. كل نبضة من وعينا انعكاس لسر أزلي، وكل سؤال نطرحه محاولة لإعادة ترتيب الكون في أذهاننا وقلوبنا..
ختامآ؛ يمكن القول ان الوعي ليس ثوانٍ عابرة، ولا ضرورة جامدة؛ إنه رقصة الكون على نغمات الزمن.. مع كل تفكير وتأمل روحي، يكتب الإنسان سطرًا جديدًا في دفتر الحياة، وشمًا خفيًا.. شهادة على أن المادة استطاعت أن تحلم، وأن تحب، وأن تتساءل عن نفسها.. وأن النفس في رحلتها الأبدية قادرة على التواصل مع الحقيقة، مستذكرة على قناعة، أنها جِزءٌ من الكون، وربما من الروح الإلهية..
*عميد متقاعد، كاتب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.