ترامب من الكنيست إلى شرم الشيخ.. خطة السلام تحت المجهر..!

 خاص – “أخبار الدنيا”

بقلم: العميد منذر الأيوبي*

في صراع الأقطاب والرهانات الكبرى، تدار ملفات الدول على طاولة التقاسم كما أوراق اللعب، فيما الكهل الأوروبي يكتفي بتدوين النتائج، مراقبًا مجريات اللعبة دون قدرة على التأثير. في البدايات؛ كانت الجولة الاولى شهر يناير 2020 تحت عنوان ”صفقة القرن”، تضمنت اقتراح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع الاعتراف بسيادة إسرائيل على القدس وتوسيع المستوطنات، ما أثار في حينه رفضًا فلسطينيًا واسعًا . رغم ذلك، لم تتوقف اللعبة اذ علقت الولايات المتحدة الجولة، لتظل المبادرة حاضرة على الطاولة الدولية، في ظل استمرار الاعتداءات وزرع المستوطنات في الضفة الغربية.

اتت عملية “طوفان الأقصى” لتحيي القضية الفلسطينية رغم خطأ كبير ارتكبته حماس تمثل باستهداف المدنيين الاسرائيليين، الأمر الذي حفز رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو شن حرب هائلة مدى سنتين طالت المدنيين على نحو يرقى إلى الابادة الجماعية، لتساهم اخيرآ الضغوط الدولية والاميركية على إعادة طرح خطة السلام بعد تعديل بعض البنود الأمنية واللوجستية، متضمنة وقف إطلاق النار فورًا، إطلاق سراح الرهائن، انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية، وإشرافًا دوليًا على إدارة غزة بمشاركة أمريكية وبريطانية.

سياقآ؛ رغم المماطلة الإسرائيلية، نجح ترامب في فرض إطار زمني محدد ومسار واضح للتفاوض، بعد أن منح إسرائيل فسحة زمنية لإدارة قدراتها الأمنية والسياسية. هذه الاستراتيجية أعادت ترتيب موازين القوة على الأرض، وأكدت أن واشنطن تبقى الطرف الحاسم في تحديد مصير الصفقة، مع ضرورة التزام الأطراف الأخرى بالنصوص الأساسية دون تأخير.

تاليآ، جاء حضور ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر ومشاركتهما في المفاوضات، ليعكس جدية الولايات المتحدة في دفع الصفقة إلى نهايتها. اذ يمثل ويتكوف القوة الدبلوماسية والإستراتيجية، بينما يضيف كوشنر خبرة مستقاة من ملف “صفقة القرن”، مؤكدين استعداد واشنطن إستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لضمان تنفيذ البنود الأساسية. هذا الحضور عزز دور الوسطاء الإقليميين مثل مصر وقطر وتركيا وزاد فرص التوصل إلى اتفاق شامل.

مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل غدًا، قبل أن يتوجه إلى مصر، تتضح أهمية الدور الأميركي في دفع خطة السلام إلى الأمام. مع الاشارة ان الزيارة تمنح واشنطن غطاءً سياسيًا مباشرًا للتحرك، وتزيد الضغط على الأطراف المحلية—إسرائيل وحماس—للالتزام بما تم الاتفاق عليه. وفي شرم الشيخ ستعقد قمة السلام برئاسة ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي وبحضور رؤساء وممثلين عن عشرين دولة بينهم فرنسا، بريطانيا، إيطاليا وبغياب لبنان وسوريا واسرائيل، ما يعكس ان القرار الأميركي والعربي يُخِيط التوافق الإقليمي.

ثم ان زيارة القاهرة تحمل أكثر من بعد رمزي؛ إذ تكرسها وسيطآ رئيسيآ قادرآ على إدارة التوازن الجيوسياسي وإعترافآ بمركزية دورًها الفاعل، كما تُرسخ مكانتها راعٍ للوساطة وضامن للمصالح و الحقوق الفلسطينية. اما في إسرائيل، فتترجم الزيارة ضمانة رمزية لشرعية الاتفاق، تخفف من غلواء وانتقادات الوزراء المتطرفين، خصوصًا حين يتحدث ترامب أمام الكنيست أو القيادات، ليقول ضمنيًا: “أنا جزء من الحل، وليس مجرد مراقب”.

اتفاق السلام ان تم ونُفِذ بمراحله الصعبة يمثل فرصة واشنطن لعرض “إنجاز دبلوماسي” أمام العالم، بينما تراقب الدول المحايدة والمترددة ما ستنتجه: هل هي فرصة للاستثمار الإقليمي..؟ أم مدخل لتوسيع النفوذ الأميركي ..؟ ومع ذلك فإن أي خطأ في التوقيت أو مخالفة من طرف أثناء الزيارة – مثل هجوم مفاجئ أو رفض تنفيذ بند من الاتفاق-  قد يؤدي إلى تصعيد سريع، ما يجعل الزيارة لحظة اختبار مصداقية لكل الأطراف، سواء على مستوى الالتزام السياسي أو الاستقرار الميداني. ليبقى السؤال هل يمكن للسياسة أن تصنع سلامًا مستدامًا حيث يتنافس الألم والأمل على كل شبر من الأرض الفلسطينية..

————————————

*عميد متقاعد؛ مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية

📢 اشترك بقناتنا على واتساب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.
انضم الآن