اتفاق ترامب ونتنياهو.. تهدئة هشة في غزة وتلويح بالتصعيد نحو لبنان..!

خاص – “أخبار الدنيا”

بقلم العميد منذر الأيوبي*

على مدخل البيت الأبيض، بدا المشهد كصفحة من رواية سريالية، حيث وقف الرئيس ترامب ونتنياهو بين أعمدة ضخمة كحواجز زمنية، تتلاقى فيها نظرات تحمل رسائل سياسية مبطنة على امتداد الشرق الأوسط. لم يكن هذا اللقاء مجرد صورة رمزية، بل مؤشرًا على إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية للسياسة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وسط جو مشحون بالتوتر، تتداخل فيه أصوات النقاشات مع صدى الانفجارات والحصار، وكأن المنطقة بأكملها تجمعت على عتبة الإدارة الأميركية.

من هذا المشهد أُعلنت خطة هادفة لوقف إطلاق النار، الإفراج عن الرهائن، وإدارة شؤون غزة تحت إشراف دولي، محاولة لإعادة تشكيل خطوط التوازن الإقليمي. كما تتضمن تهدئة فورية، انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية، وإطلاق سراح الأسرى خلال أيام قليلة، مع تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية ومبادرات لإطلاق مشاريع اقتصادية وإقامة منطقة اقتصادية خاصة لدعم إعادة إعمار القطاع.

ردود الفعل الدولية جاءت متباينة لكنها مرحبة بالإجمال، إسرائيل اعلنت موافقتها رسميًا على الاتفاق كفرصة لتعزيز أمنها، رغم إعلان نتنياهو مسبقآ رفضه حل الدولتين ومعارضة وزراء التطرف الديني، بينما استمهلت حماس لدراسة بنود الخطة مع إبقاء باب الوساطة مفتوحًا. السعودية ومصر وقطر دعمت وقف الحرب، مؤكدين حق الفلسطينيين في دولة قابلة للحياة، كما أبدت كل من روسيا، الاتحاد الأوروبي، أستراليا ودول اخرى ارتياحآ للخطوة، فيما اعتبرت الأمم المتحدة أن وقف النار لا يُغني عن الحل النهائي. هذه المواقف تعكس استمرار الدور الإقليمي التقليدي للوساطة لجهة تذليل العقبات، بينما بروز بعض التحفظ الأوروبي يدل على المخاوف من تكرار إخفاقات الماضي.

على الأرض بدأت خطوات محدودة تضمنت تهدئة جزئية وتبادل معلومات حول الإفراج عن الأسرى، لكن التنفيذ الكامل غير محدد زمنيًا ما يرفع درجة الشكوك بنوايا نتنياهو، إضافة إلى تحديات لوجستية وإدارية وأمنية يتوجب تذليلها.
تزامنآ، يشهد محيط معبر رفح وشمال القطاع خروقات وعمليات عسكرية متكررة، بالتوازي ألمحت تل أبيب إلى أن الانسحاب الكامل مرتبط بتفكيك البنية العسكرية لحماس، ما يزيد من التعقيدات، اذ ان تحديد او تأكيد التفكيك لغم مفخخ آخر . استطلاعات الرأي أظهرت حذر الفلسطينيين وتحفظ بعض الفصائل على شكل اللجنة التكنوقراطية، بينما رأى بعض الإسرائيليين في الاتفاق فرصة لتحقيق مطلب خروج الرهائن و استقرار الأوضاع لتعود الحياة إلى سيرتها الأولى.

سياقآ؛ بعد تثبيت وقف الحرب في غزة، يتصاعد التساؤل حول نية نتنياهو تجاه حزب الله. فالتهدئة جنوب فلسطين قد تمنحه هامشًا سياسيًا وعسكريآ للتركيز على الحدود الشمالية. خطاب نتنياهو الأخير في الأمم المتحدة عزز المخاوف، إذ لمح إلى أن لبنان لن يبقى خارج المعادلة ما لم يتم ضبط نشاط الحزب، وتنفيذ القرار ١٧٠١ كاملآ.

في التجارب المتكررة حكمة حفظ النتائج، يذكرنا تاريخ الشرق الأوسط ان اتفاقيات السلام مع إسرائيل، من كامب ديفيد ووادي عربة إلى أوسلو ومحاولات التسوية في لبنان وسوريا، غالبًا ما فشلت بسبب ضعف الالتزام، تغيّر الأولويات الدولية، أو غياب الضغط الإقليمي، ما يؤكد أن الإرادة السياسية وحدها لا تكفي وأن غياب المتابعة يؤدي سريعًا إلى تقويض الإنجازات.

يمكن القول ان فرص نجاح خطة ترامب – نتنياهو محدودة لكنها موجودة، وهي مرتبطة بالقبول الداخلي الفلسطيني، الالتزام الإسرائيلي الكامل، الدعم الدولي المستمر، والاستقرار الإقليمي. مع الأخذ بعين الاعتبار محاذير انتداب توني بلير لترؤس الهيئة الدولية لإدارة القطاع.

استطرادآ ان اية تغيرات سياسية طارئة أو انسحاب وزراء اليمين المتطرف من حكومة الكيان المحتل وبالتالي سقوطها قد يعني شل الاتفاق. فيما خص واشنطن تأتي الانتخابات الجزئية 2025 على مستوى حكام الولايات وإملاء مقاعد شاغرة في الكونغرس لتكون عاملًا حاسمًا في استمراريته او تعليقه وفقآ للأغلبية المسيطرة. كما أن نجاح مشاريع إعادة إعمار القطاع مرهون برقابة صارمة على التمويل وضمان عدم إعادة إنتاج البنية القتالية، وإلا فإن المساعدات قد تتحول إلى عبء سياسي جديد وتعيد الأمور إلى مربعها الاول.

في النهاية، تبدو الخطة قادرة على تحقيق اولى الخطوات في مسار تهدئة مؤقتة ذات ضرورات إنسانية توقف القتل العشوائي والتجويع اللا أخلاقي كما تسمح لاهل غزة التقاط انفاسهم ودفن ضحاياهم. لكنها تظل هشة محفوفة بالمخاطر إن طال الأمد؛ لذا ولضمان استقرار الاتفاق وتوطيد سلام مستدام يجب على الأطراف تعزيز آليات الرقابة، تنسيق الجهود لتلافي العثرات، وإبقاء المجتمع الدولي متيقظًا للتغيرات المحتملة، وإلا فإن التهدئة المؤقتة ستظل مجرد مرحلة استقرار نسبي في مسار طويل من جولات الصراع.

————————

*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية

📢 اشترك بقناتنا على واتساب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.
انضم الآن