هل يكون ستيف ويتكوف صانع الحلول الاميركية..؟


بقلم العميد منذر الايوبي*

قال عنه الرئيس الاميركي دونالد ترامب أنه “سيكون صوتا لا يلين من أجل السلام، ويجعلنا جميعا فخورين”. ليعين الملياردير الشريك على ملعب الغولف مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط؛ إستحوذ ستيف ويتكوف على ثقته فأولاه فور دخوله المكتب البيضاوي ملفين هامين على المستويين الدولي والإقليمي؛ ايجاد صيغة حل توصل لإتفاق دائم بشأن وقف البرنامج النووي الإيراني، كذلك انهاء الحرب الروسية -الاوكرانية وكلتاهما قضية مفصلية لها انعكاساتها الجيوسياسية والدولية من الجوانب كافة…

في الملف الايراني يبدو ان الامور سارت بسلاسة معقولة خلال جولات التفاوض الثلاث الاولى على ما نضح من تصريحات وما إستُشِفَ وفق بصيرة من سمع فتفكر؛ فيما اتى تأجيل الجولة الرابعة لأسباب (لوجستية) على ما اقتَرَح واعلَن وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي لتعود نسبة التخصيب السياسي لديمومة ونجاح اتفاق الى نقطة المناصفة fifty-fifty ..

تزامنآ، اوضحت مصادر الوفد الايراني “ان التأجيل جاء على خلفية تضارب المواقف الصادرة عن الادارة الاميركية وسعيها لتغيير الاطار العام للتفاوض الذي تم الاتفاق عليه سابقآ”.. ليصُح السؤال هل سببية تضارب التصريحات والمواقف امر يعتد به امام صناعة جدية لإتفاق على مستوى استراتيجي بين دولتين الاولى محور الكوكب والثانية تلعب دورآ اقليميآ هامآ..؟
من المؤكد ان حديقة البيت الابيض لطالما شهدت تصاريح متناقضة قد تدخل في باب “كلام الليل يمحوه النهار” دون كثير تعجب او اهتمام طالما توحيد الاداء وضبط الايقاع ذو ثبوت مصدر عصا المايسترو الرئيس دونالد ترامب. لكن وراء الاكمة اكثر مما أُعلِن فالفريق الاميركي يعتبر وقف برنامج تطوير الصواريخ الباليستية الطويلة المدى امرآ جوهريآ مرتبطآ بشكل وثيق بالبرنامج النووي، اضافة الى مطلب التخلي عن المفاعلات، وقف تخصيب اليورانيوم، نقل المخزون الى روسيا او بلد آخر، استبدال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمفتشين اميركيين. هذه الشروط المُقلِقة شبه فرضٍ لاغٍ تفاوضآ مرفوضَآ إيرانيآ.. اذ اكدت مصادر رئاسية «على ان القدرات الدفاعية (الصواريخ والمسيرات) كذلك اليورانيوم المخصب بنسبة 60% واجهزة الطرد المركزي المتطورة خط احمر لا يمكن تجاوزه» مع الإشارة ان واشنطن لم ترفد مفاوضات عراقجي-ويتكوف سوى ب(تناقض تصريحات- وفق المتحدث اسماعيل بقائي) خالية من ايجابيات مُحَفِزة التواصل المباشر بل عادت لممارسة سياسة الضغوط القصوى مسهدفةً مبيعات النفط الايراني..

توازيآ؛ يتقن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دور المفاوض الديبلوماسي البراغماتي من منطلق خبرة طويلة، اذ اقترن اسمه بالمفاوضات السابقة مع المجموعة التفاوضية 5+1 يوم أُبرِم اتفاق عام 2015 الذي قضى بتخفيف العقوبات عن بلاده مقابل قيود على برنامجها النووي، ليواجه حاليآ مستثمر ومطور عقارات ناجح في عقد الصفقات على خلفية صفة مشتركة بينهما ذكاء متقد لمفاوض موهوب..! ثم ان في كفاءتهما إنعدام حاجة إختبار قدرة صيدٍ لإقتناصِ لحظة تقاطع تؤمن قفزآ فوق حاجز حَذَر سبق وعبر عنه مسؤولون إيرانيون (إن طهران تتوخى الحذر إزاء المحادثات، مع عدم وجود ثقة في إحراز تقدم، ومع شكوك بالغة في نيّات واشنطن) علة سقوط الإتفاق السابق بعد إقرارٍ بقرار الرئيس ترامب نفسه اثناء ولايته الاولى..

تاليآ؛ المحادثات حساسة شائكة لعدة اسباب الرئيسي منها ان فشل التوصل الى صفقة دبلوماسية مؤداه خطر التعرض لضربة عسكرية سواءً اسرائيلية- اميركية مشتركة يحاول بنيامين نتنياهو الدفع نحوها او الإنفراد بها دون معارضة او تَحَفُظ واشنطن. فيما أعلن الرئيس الأميركي رغبته تحول المحادثات الثنائية الغير مباشرة بالوساطة العمانية الى مباشرة تفادي مماطلة او تأخير واضعآ طهران أمام فرصة أخيرة للتوصل إلى اتفاق، محذراً من أنها ستكون في «خطر كبير» إذا فشلت..
تحت هذا السقف يحاول المفاوض ويتكوف مرونةً تراكم ايجابيات تؤمن نجاحآ مُتبِعآ سياسة “العصا والجزرة”، ساعيآ الى سرعة إتمام المهمة ضمن مهلة حددها الرئيس الاميركي بالشهرين مضى عليها ثلاث سُبوت مع إتقاء تمديد غير مرغوب ينتظره نتنياهو ليطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق ..
ثم ان إرتياعآ تبدى إثر استدعاء الأخير على عجل للقاء الرئيس الاميركي في السابع من أبريل/نيسان الماضي حيث فوجئ امام مراسلي الصحافة العالمية إطلاق المفاوضات مع ايران في عاصمة السلطنة العُمانية، ليتحول توجِس نتنياهو خيفةَ عدم تيقُن من مستقبل محطته توقيع على اتفاق متوسط المفاعيل لا يُزيل التهديد الايراني، بالتالي سيقبل به مرغمآ اذ لا مكان لتمرد او تملص ذو عواقب وخيمة مع ترامب..

في الملف الثاني الروسي-الأوكرانى وصف ويتكوف بعد الجولة الرابعة من المحادثات مع الرئيس الروسي انها بناءة ومفيدة، ليصبح احتمال المفاوضات المباشرة بين موسكو وكييف امرآ مطروحآ؛ فيما رأى ترامب ان العمل على اتفاقية السلام الشاملة “يسير بسلاسة”؛ مع الاشارة ان جلسة المحادثات الاخيرة الموسعة تطرقت للعديد من القضايا الدولية على ما صرح المستشار الديبلوماسي للرئيس الروسي يوري اوشاكوف..
سياقآ، باتت الحرب على سكة النهاية في ظل تسوية تُظلل المسرح الاوروبي بالمستوى الجيو استراتيجي والاقتصادي تصوغ صفقة شاملة بين واشنطن وموسكو بالمقترح الاميركي متضمنةً اعتراف اوكرانيا بسيادة روسيا على الاقاليم الاربعة المسيطر عليها بما فيها ضم شبه جزيرة القرم؛ كذلك تخلٍ عن سعي الانضمام الى حلف شمال الاطلسي NATO مقابل موافقة موسكو السماح بتقوية جيشها او نشر قوات اوروبية على اراضيها لحفظ السلام ذات قدرات قتالية محدودة.
ضمن هذا الإطار وإثر إنتهاء مراسم جنازة البابا فرانسيس شهدت كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان تم توقيع اتفاق استثمار المعادن الارضية النادرة والتعاون الاقتصادي، الشرط الاساس الذي فرضه ترامب على الرئيس فلوديمير زيلينسكي مقابل استمرار دعم اوكرانيا؛ توازى ديبلوماسيآ مع التحضير للقاء قمة بين الرئيسين الاميركي والروسي، في ظل حذر دول الاتحاد الاوروبي من تعنت بوتين لجهة ربط وقف القتال بشروط تعجيزية مقبولة الى حد ما اميركيآ ..!

أخيرآ؛ تشهد الحدود الباكستانية- الهندية اشتباكات مسلحة على خلفية هجوم ارهابي وقع في الشطر الهندي من اقليم كشمير ادى الى مقتل 26 مدنيآ، فيما اتهمت نيودلهي جارتها الباكستانية اسلام آباد إيواء المجموعات المسلحة ودعمها، فهل يؤدي تصاعد النزاع المسلح الدولتين النوويتين الى ايداع الملف الجديد صانع الحلول الاميركية ستيف ويتكوف..؟

————————————

*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية
طرابلس في 06.05.2025