7 تدابير تعيد الاستقرار الاقتصادي والنقدي الى لبنان

 

 

بقلم: أمين صالح*

الدولة مفلسة، والاقتصاد منهار، والنظام المصرفي أفلس وسقط، وسعر صرف العملة الوطنية تهاوى بسرعة وينذر بالمزيد، فانخفض في مقابل الدولار الأميركي بمعدل 93 في المئة وزادت كمية النقد المتداول حوالي تسعة أضعاف ما كانت عليه في بداية عام 2019، وتم تهريب الأموال بالعملات الأجنبية إلى الخارج برعاية المصرف المركزي وتسهيله وتشجيعه، وانخفضت القدرة الشرائية للمداخيل بمعدل 93 في المئة وارتفع معدل التضخم إلى ما يزيد على الـ 150 في المئة وأدى ذلك إلى فقدان الغذاء والدواء والمحروقات وارتفعت أسعار السلع والخدمات ارتفاعاً مجنوناً تراوح بين 700 و980 في المئة، وأصاب الشلل كل المرافق الاقتصادية في البلاد من دون استثناء، وانتشرت الفوضى التي قد تصبح شاملة وتتدحرج إلى انهيار أمني يهدد الكيان اللبناني بالسقوط .

هذا الانهيار الشامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى أخلاقياً، والذي يحاول الغرب الإمبريالي استثماره لمآربه الاستعمارية ولا سيما حفظ أمن العدو الصهيوني، ما كان ليحصل لولا تضافر عوامل داخلية بحتة أهمها النظام السياسي الطائفي والاختلال الاقتصادي والفساد والعجز في المالية العامة والهندسات المالية والنظام الضريبي غير العادل ووضع اليد على المرافق العامة من قبل قوى مشاركة في السلطة. ولعل أهم هذه العوامل على الإطلاق تفاقم الدين العام وتعاظم (عبئه) فوائده حيث عجز الاقتصاد اللبناني عن تأمين خدمته. والأخطر من ذلك أن بعض أبواق المنتفعين من السلطة وأتباعها ومرتزقتها من خبراء وقوى سياسية وإعلامية بدأوا يمهدون لرهن أو بيع موجودات لبنان من الذهب وأصول الدولة من أراض ومرافق عامة، وذلك لاستكمال عملية السطو على الأموال العمومية كافة وإفلاس الوطن بعد إفلاس الدولة. كذلك، بدأ هؤلاء التمهيد والتبرير لتحصيل وجباية الضرائب والرسوم وخدمات المرافق العامة من مياه وكهرباء على أساس سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، مما يؤدي حتماً إلى زيادة عبء الضرائب بما لا يقل عن 14 ضعفاً على المواطن اللبناني وزيادة مماثلة في أسعار السلع والمواد.
إن ذلك كله يحصل وفقاً لخطة مدروسة وممنهجة ومعتمدة من قبل الدولة العميقة في لبنان المكونة من تحالف الزعماء السياسيين للطوائف والمذاهب ورأس المال الريعي، وينفذها حاكم مصرف لبنان وإدارة المصرف المركزي، ويرعاها ويشرف عليها صندوق النقد الدولي الذي يمثل قوى الهيمنة الرأسمالية الغربية والهدف واضح دفع البلاد إلى الانهيار الشامل ووضع الشعب اللبناني أمام خيارين لا ثالث لهما:
أولاً: خيار الدولة العميقة القائم على تحميل الشعب اللبناني الخسائر المالية اللاحقة بالدولة باعتماد الوسائل النقدية التالية:
إحداث الانهيار المالي والنقدي.
زيادة كمية النقد المتداول.
خفض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
زيادة الأسعار للسلع والخدمات كافة.
رفع الدعم عن السلع الأساسية كالغذاء والدواء والمحروقات.
زيادة الضرائب والرسوم.
لقد أنجزت الدولة العميقة البنود الأربعة الأولى وهي بصدد استكمال رفع الدعم واستكمال زيادة الضرائب والرسوم عن طريق الجباية على أساس سعر الصرف في السوق السوداء.
إن ما تقدم يعني أن الدولة العميقة قد استغلّت وباء كورونا وضعف حركة الانتفاضة الشعبية وقررت تدفيع الشعب ثمن فسادها وجباية الخسائر من مدخرات ومداخيل الفقراء والمعوزين وذوي الدخل المحدود.
وخيار الدولة العميقة هو خيار الوصاية الدولية الممثلة بصندوق النقد الدولي والذي أملى على الحكومة تنفيذ التدابير المذكورة أعلاه تحت شعار “القيام بالإصلاحات». وقد انصاعت الحكومة لهذه الإملاءات وتلك الشروط، وأوكلت تنفيذها إلى السلطة النقدية وعلى رأسها حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي لمصرف لبنان وهو مجلس يمثل الزعماء السياسيين للطوائف والمذاهب أصحاب السلطة السياسية، وهذا الحاكم – وهو واجهة لنظام سياسي واقتصادي فاسد وجشع ومحتكر – ينفذ بارتياح هذه التدابير لأنه متورط مع الدولة العميقة بعمليات فساد وتبييض أموال موضوع تحقيق قضائي لبناني ودولي.
إن هذا الخيار وبصراحة تامة، هو خيار خارجي، ويتطلب بالإضافة إلى ما تقدم ولتوفير بعض الدعم الخارجي من المؤسسات والهيئات والصناديق الدولية ما يمس بالسيادة الوطنية ويهدد وحدة البلاد، وتنفذه الشبكة الحاكمة لاعتقادها أنه طريق خلاصها أيضاً ووسيلة استمرارها.
ثانياً: الخيار الداخلي العادل القائم على توزيع الخسائر بالتناسب مع المكاسب.

أي حل يجب أن يبدأ بعزل السلطة النقدية (حاكمية مصرف لبنان)

إن الخيار الداخلي للحل، يقتضي النظر إليه على أنه الخيار الأفضل لجميع اللبنانيين، انطلاقاً من حرص اللبنانيين على سلامة ووحدة الدولة اللبنانية، وعلى تضامنهم في زمن المحنة لمواجهة أقسى حالة اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية يواجهها لبنان منذ نشأته إلى الآن.
هذا فضلاً على أن هذا الحل يقوم على المساواة بين اللبنانيين في التضحية وفقاً لقدرة كل منهم على المساهمة في هذه التضحية، وهو خيار عادل في توزيع الخسائر بين جميع من استفاد من أرباح ومكتسبات من دون وجه حق، إذ لا يمكن القبول بأن يتحمل فقراء لبنان ومعوزوه وطبقته الاجتماعية المتوسطة تبعات هذا الحل، بل يتوجب على جميع من استفاد من فوائد الدين العام ومغانم السلطة أياً كانت مسمياتها أن يتحملوا التضحية الكبرى وهذا واجب وطني عليهم، وندعوهم إلى القبول بهذا الحل طوعاً واقتناعاً قبل أن يصبح هذا الحل مفروضاً قسراً، عملاً بمبدأ الغرم مقابل الغنم.
يقوم هذا الحل على البنود التالية:
أولاً: تشكيل حكومة إنقاذ – من خارج قوى الدولة العميقة – يمنحها مجلس النواب ثقته وصلاحيات تشريعية استثنائية، مهمتها تنفيذ خطة الإنقاذ في فترة زمنية لا تتجاوز الستة أشهر.
ثانياً: عزل السلطة النقدية برمتها بما فيها حاكم مصرف لبنان ونوابه والمجلس المركزي للمصرف ومفوضية الحكومة لدى المصرف وتعيين بديل عنهم من أصحاب الاختصاص والكفاءة والنزاهة والخبرة والاستقلال السياسي والذهني.
ثالثاً: استرداد المال العام المنهوب والمهدور:
1- الإعلان عن خسائر لبنان المالية والمتمثّلة بالدين العام وخسائر المصرف المركزي والتي تجاوزت المئة وخمسة وسبعون مليار دولار أميركي.
2- إلغاء الدين العام سواء أكان بالعملة اللبنانية أم بالعملات الأجنبية، باستثناء الدين المترتب للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والدين المترتب لبعض الدول الأجنبية أو لمؤسسات دولية وهو زهيد جداً، ويكون الإلغاء باعتماد الوسائل التالية:
أ- استرداد الفرق في فوائد سندات الخزينة بين المعدلات المحلية والمعدلات العالمية والتي لا تقل عن 64 مليار دولار، علماً بأن ربع الدين العام صادر خلافاً للدستور والقانون، أي من دون إذن من مجلس النواب، ومن ثم توزيع هذا الفرق على فئات الودائع في المصارف من 50 ألف دولار وما فوق بمعدلات استقطاع تبدأ من 11 في المئة وتنتهي بـ 38 في المئة، وكذلك على الأموال المحولة إلى الخارج من حزيران 2019 وحتى تاريخه وعلى أصحاب المصارف ولا سيما رأس مال حملة الأسهم أياً كان نوعها.
ب- فرض ضريبة استثنائية على الثروات العقارية التي اكتسبها كل شخص شغل منصباً في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاد البلديات والمجالس والصناديق والهيئات العامة وذلك بمعدل يتراوح بين 3 و5 في المئة.
3- استرداد مبلغ الهندسات المالية التي أجراها مصرف لبنان لصالح المصارف التجارية وهي لا تقل عن 5.5 مليار دولار مع فوائدها من عام 2016 ولغاية تاريخه.
4- استرداد الضريبة الفائتة على فوائد سندات الدين العام منذ عام 1993 وحتى تاريخه والتي لا تقل عن مليارين ونصف مليار دولار أميركي، وقسم من هذه الفوائد أعفي بقرار من وزراء للمالية خلافاً للقانون.
5- جباية عائدات إشغال الأملاك العامة البحرية منذ عام 1994 وحتى تاريخه وهي لا تقل عن خمسة مليارات دولار أميركي.
6- تعزيز الموجودات بالعملات الأجنبية من خلال استرداد الأموال المحولة إلى الخارج في الفترة الممتدة بين حزيران 2019 وحتى تاريخه والتي لا تقل عن 13 مليار دولار أميركي (بعد حسم المبالغ المقتطعة كفوائد مستردة)، وكذلك استرداد 70 في المئة من الأرباح الموزعة على حملة الأسهم في المصارف التجارية وإدماجها في الأموال الخاصة للمصارف. وتجدر الإشارة إلى أن الأموال المستردة في هذا البند تبقى ملكاً لأصحابها وتسجل في حساباتهم الخاصة أو في حسابات رأس المال المكتتب به والخاصة بكل منهم.
7- إعادة هيكلة النظام المصرفي عن طريق الدمج والإندماج أو المزج، الطوعي أو القسري، والإبقاء على عدد من المصارف يتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني وإعادة رسملة المصارف بما يتوافق مع إلغاء الدين العام المتوجب للمصارف على الدولة وزيادة رأس مال المصارف الجديدة من أموال المساهمين وكبار المودعين الذين تزيد ودائعهم على مليون دولار ولمن يرغب من متوسطي وصغار المودعين.
إن التدابير السبع المذكورة أعلاه يقتضي تنفيذها بصورة عاجلة وفي مهلة لا تتجاوز الستة أشهر. ومن شأن تنفيذها إحداث استقرار مالي ونقدي واقتصادي، وإعادة الثقة بالدولة مما ينعكس إيجاباً على سعر صرف العملة الوطنية، إذ من المتوقع ارتفاع قيمتها وانخفاض سعر صرف الدولار إلى حوالي الأربعة آلاف ليرة، وهو السعر الذي كان مقدراً أن يبلغه الدولار مقابل الليرة في عام 2024 وفقاً لخطة التعافي الاقتصادي التي أقرتها الحكومة المستقيلة في نيسان 2020. ومن شأن هذا الانخفاض إعادة التوازن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي إلى وضع يُسهم ويساعد في إعادة إطلاق عجلة النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة على المديين المتوسط والطويل الأجل مع تحول جذري في بنية النظام السياسي والاقتصادي يقوم على الديموقراطية الحقيقية، والاقتصاد المنتج والتوزيع العادل للدخل الوطني والتوازن في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب.
إن خيار الإنقاذ العادل يصبح ممكن التنفيذ إذا تبنته غالبية شعبية وازنة كبرنامج نضال مرحلي بقيادة موحدة، ووفقاً لبرنامج نضال ميداني تصاعدي يبدأ من التظاهر إلى الإضراب إلى الاعتصام والإقفال الشامل إلى العصيان المدني ووصولاً إلى وسائل أخرى.
لبنان بين خيارين: الانهيار الدائم أو الإنقاذ العاجل.

——————-

*النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة المجازين
مدير المحاسبة العامة السابق في وزارة المالية
مدير مركز البحوث الاقتصادية