١٦٠٠ بنسيلفانيا .. 1600 Pennsylvania..!

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
بين ألجادة 1600 بنسلفانيا – واشنطن حيث ألبيت ألأبيض مقر ألرئاسة ألأميركية و بين 1900 جادة ألإستقلال حيث مبنى مجلس النواب الاميركي House Of Representatives يتواصل تبادل ألرسائل ألقاسية أللهجة و ألمضمون بشكل غير مسبوق ، كانت بداياتها مع ألمحقق الخاص “روبرت مولر” Robert Mueller على خلفية تحقيقاته حول ألتدخل الروسي في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية ألأخيرة عام 2016 (ألمُرَمَزة : Crossfire Hurricane) و ليس آخرها ما نشره الرئيس ألأميركي دونالد ترامب في الفضاء ألسيبراني عبر سلسلة تغريدات حذر فيها مما يجري بهدف عزله من منصبه بعد إتهامه من قبل ألديموقراطيين أنه طلب من الرئيس الاوكراني “فولوديمير زيلينسكي” Volodymyr Zelensky ألتصويب على منافسه ألرئاسي نائب الرئيس الاميركي السابق “جو بايدن” Joe Biden من خلال فتح تحقيق في ألعاصمة “كييف” مع نجله ألثاني “هانتر بايدن” بشبهة تورطه في قضايافساد و إنتهاكه ألقانون الاوكراني مُستغلآ دَعم والده له في منصبه كعضو مجلس إدارة شركة الغاز الاوكرانية “بوريسما” Burisma Holdings و ممثلها لدى ألجهات و ألمنظمات ألدولية ..
ضمن دائرة ألعمل الاستخباراتي بدأت الفضيحة ؛ عندما تسربت معلومات عن إقدام ضابط سابق في جهاز أمن ألرئيس على رفع تقرير رسمي إلى المفتش العام لأجهزة الاستخبارات الأميركية “مايكل أتكينسون” Michael Atkinson يتضمن تفاصيل مكالمة هاتفية تمت بين الرئيسين ترامب و زيلنسكي مارس خلالها الرئيس الاميركي ضغوطآ ترغيبآ و ترهيبآ على نظيره الاوكراني بُغيَة الإساءة الى خصمه الانتخابي (بايدن) ..! لم تتوانَّ صحيفتا واشنطن بوست و نيويورك تايمز فور علمهما بِألأمر عن نشر ألخبر 12/08/2019 مما أحدث تأثيرآ غير متوقع لدى ألجمهور ألأميركي حول سلوك الرئيس ترامب ،
و هو ما سجلته رئيسة مجلس النواب الاميركي ألديموقراطية “نانسي بيلوسي” Nancy Pelosi حيث إعتبرت “أن تغييرآ جذريآ طرأ على ألرأي العام لجهة إمكانية عزل ألرئيس مؤكدة أن ألكفة 55% بدأت ترجح لصالح دعاة تنحيته” ..
تزامنآ ؛ تلقف مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات التمهيدية الأميركية جو بايدن ألكرة مطالبآ غريمه الرئيس ترامب ضرورة نشر تفاصيل ألمحادثة ألهاتفية ألتي أجراها مع نظيره الأوكراني و في بيان له قال : “إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة فذلك يعني أن لا حدود لنية الرئيس ترامب استغلال سلطته
و إهانة بلادنا ، عليه نشر نص المحادثة فورآ كي يتسنى للشعب الأميركي أن يحكم على ذلك بنفسه”..
من جهة أخرى ؛ رغم ان “أتكينسون” أدلى بإفادة سرية أو مغلقة أمام رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي “آدم شيف” Adam Schiff فقد رفض مدير الاستخبارات القومية بالوكالة “جوزيف ماغواير” Joseph Maguie الكشف للكونغرس عن طبيعة الشكوى-التقرير و فحواه ألأمر الذي أعتُبِر محاولة لحماية ألرئيس مما أثار جدلآ حادآ بين جهاز ألأمن ألقومي و ألكونغرس ..!
هذه ألمُعطيات و غيرها مما سَبَقَ من ملفات و قضايا تتمحور حول الرئيس و سلوكه و ماضيه و أداءه خلال فترته ألرئاسية دفعت “بيلوسي” إلى ألإعلان أنها بصدد فتح تحقيق رسمي من خلال لجنة تحقيق برلمانية معتبرة الرئيس ترامب “نكث قسم اليمين” عندما طلب مساعدة دولة اجنبية لِإسقاط ترشيح خصمه “بايدن” و النيل منه و من نجله ، مؤكدة ضرورة تحمله ألمسؤولية إذ لا أحد فوق القانون ..
توازيآ ، و من المنظور الدستوري فإن إقرار عزل الرئيس ترامب من قبل 6 لجان تحقيق برلمانية مُختصة سيعقبه تصويت أعضاء مجلس النواب على ألتقرير ألنهائي لرئيس اللجنة القضائية ألنائب ألديمقراطي “جيري نادلر” Jerry Nadler علمآ أن ألنتيجة ألإيجابية تفرض تاليآ ألخطوة ألنهائية و هي تأييد ثلثي مجلس الشيوخ Senate الذي يرأسه ألجمهوري “مايك بانس” Mike Pence لِقرار ألعَزل Impeachment و هذا إحتمال غير مرجح على ما يبدو ..
في سياق تحليلي مُتَصل ؛ لا بد من ألإضاءة على عدة أمور أو جوانب تلامس هذه القضية سواء على المستوى ألسياسي أو ألأمني القضائي : مما لا شك فيه ان نظام ألثنائية ألحزبية هو ما يطبع العمل السياسي في الولايات المتحدة ألأميركية و الصراع كما التنافس بين ألفيل الجمهوري و ألحمار الديموقراطي أمر تاريخي يعود الى القرن الثامن عشر ؛ إذ أن لكل منهما أجندته السياسية الاقتصادية
و الاجتماعية إلخ .. لكن مصلحة الولايات المتحدة كقوة عظمى و رخاء الشعب الاميركي هو ما يجمعهما ؛ ففي كلتا ألحالتين سواء عزل الرئيس أم لم يعزل فأِن ألمسألة لا تعدو أكثر من تبادل أو إنتقال ديمقراطي غير سَلِس للسلطة رغم كل ألسلبيات ألتي تحوط قضية كَ عَزل الرئيس الاميركي لإساءته استعمال منصبه و هيبة الرئاسة ..
 
إستطرادآ ؛ ستأخذ ألقضية وقتها و مداها بكل أبعادها و سترخي بظلالها و تداعياتها على شهور ألعام ألمقبل حتى موعد ألإنتخابات الرئاسية القادمة 03/11/2020 كما ستطرح ألكثير من ألتساؤلات منها لا حَصرَآ : أن الرئيس الاميركي ترامب “جسمه لَبيس” وفق المثل العامي فلا شيء مستبعد لديه أو عنه ؛ أن إجراء ألتحليل الحرفي و اللفظي لمضمون المحادثة أمر ضروري ، تحديد مدى جدية ألطلب و قدرة الرئيس الاوكراني على تلبيته ، أن تَجاهُل الرئيس الاميركي رغم معرفته لإمكانيات التنصت على المكالمات المشفرة و الخط الآمن سواء من قبل الوكالات الاميركية او الأجهزة الخارجية يضعف نظرية ألمؤامرة ؛ ما هو دور مُسرب المعلومات .؟ هل كان مكلفآ بألتجسس و ألتنصت على ألرئيس لقنص علامات شبهة ما بُغيَة إستثمارها ألآن .؟ هل ما قام به الرئيس يعرض الأمن القومي ألأميركي للخطر و يقوض بألتالي نتائج
و نزاهة الانتخابات .؟..
في نقطة أللاعودة أصبح حجم ألمواجهة بين ألفريقين ألديمقراطي و ألجمهوري ففيما إعتبرت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي : “أن ليس هنالك ما يفرح في الأمر ، إنها فترة حزينة لبلدنا ، الرئيس انتهكالدستور الأميركي ، أنا أعتقد أنه فعل“… رَبَط الرئيس ترامب مصيره بمصير أميركا و مؤيديه قائلآ : “مصير بلدنا على ألمحك على نحو لم يسبق له مثيل ، ألأمر في منتهى البساطة أنا أكافح من أجلكم و هم يريدون إيقافي ، لن أدع ذلك يحصل أبدآ “..
ختامآ ؛ قواعد اللعبة السياسية ألأميركية الداخلية على حالها و القوى السياسية تسيطر على استوديوهات هوليوود ألسينمائية و تستدر أموالها ، إذ لكل قضية فيلم أو أكثر يُنتج و يُخرج و يُعرض
على أمل ألا يتأخر عرض 1600 Pennsylvania على ألشاشات و ألهِمَّة ل ألمخرج “ستيفن سبيلبرغ” Steven Spielberg ..!
عَميد، كاتِب وَ باحِث.
بيروت في 02.10.2019