خاص – “أخبار الدنيا”

بقلم : الدكتورة ميرنا داود*
تفتح الدول الهشة في منطقتنا التعيسة شهية الذئاب الإقليمية المسعورة، حيث يحاول البعض جر المنطقة إلى مكان آخر.
حيث تطرح سيناريوهات كثيرة على رقعة الشطرنج، وهناك جهات دولية حضرت لهذا الشيء: التدريب العسكري، المسيرات، التكتيك العسكري، طريقة التفاوض عندما يحاصرون مكان. هذا لا يشبه ما كان مألوفا في السنوات الماضية. نحن أمام مشهدية جغرافية، ديموغرافية جديدة. الوقت كفيل بالإجابة وشعوب منطقتنا هي وقود هذه المرحلة.
في الفترة التي تفصل بين نظام دولي انتهى أو يلفظ انفاسه الأخيرة، ونظام دولي لم يتبلور بعد، تنشأ حالة تدعى “المرحلة الهجينة”. هي فترة من الانقطاع أو “الفجوة” في حكومة أو منظمة أو نظام اجتماعي. من الناحية التاريخية، كانت الكلمة تعبر عن الفترة الزمنية بين عهد ملك ولى وخليفته ولعلنا اليوم نشهد شيئا شبيها إلى حد ما يمكن وصفة بمرحلة هجينة لم تكتمل ملامحها بعد .
الأهم في هذه المرحلة هو تطبيق هذا المصطلح على المرحلة الممتدة من سقوط الاتحاد السوفيتي حتى الآن، حيث لم يتبلوّر نظام دولي بعد أن انتهى النظام الدولي السابق. وخطورة الأمر هو التفلّت من أغلب القواعد الناظمة للنظام الدولي، حيث نشهد اليوم مخاطر قتل السياسيين، وهي قاعدة لم تكن متبعة في قوانين وقواعد الحرب.
كذلك نشهد اليوم إنذارات بحروب عالمية، لأن قواعد التعامل بين الكبار قد تفككت. وأفضل تعبير عن هذه المرحلة الممتدة ما بين موت نظام عالمي وعدم ولادة نظام جديد، بأنها مرحلة التوحش حيث يكون كل شيء مباح.
ويضاف إلى خطورة هذه المرحلة أنها تتميز بما لم يكن معروفا من سابق العهود، وهو عدم اليقين مما هو قادم، ومن سرعة التبدل والتغير وهشاشة الأوضاع في كل مكان في العالم، بما فيه لدى الدول الكبرى. كل هذا يجعل العالم خطيرًا للغاية!
ولكن هل تقاسم المصالح يؤدي الى انتقال السلطة بالإكراه، وهل هذا المشهد الضبابي من شانه أن يزيد حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة منذ سنوات؟ أسئلة مشروعة وعلينا قراءة كل ما يحدث حولنا بعقل بارد!!
نعم، العالم كله إلى فوضى، والى سنين طويلة من العبث، للاسف هذه حقيقة! فما هي كيفية “الاستجابة لعالم فوضوي”؟
المحرك الأساسي الذي يبث الفوضى المعاصرة هو منطقة الشرق الأوسط.
ومع كل المقارنات التي أجريت مع الحرب العالمية الأولى أو الحرب الباردة، إلا أن ما يحصل في المنطقة اليوم يشبه كثيراً حرب الثلاثين عاماً، حيث كانت هنالك ثلاثة عقود من النزاع الذي دمّر أجزاء كبيرة من أوروبا في النصف الأول من القرن السابع عشر.
بسبب الفوضى العالمية، فإنه في السنوات المقبلة سيكون هناك على الأرجح العديد من الدول الضعيفة غير القادرة على ضبط مساحات شاسعة من أراضيها، وسيكون هنالك الكثير من المجموعات الإرهابية التي تعمل على زيادة نفوذها. وسيكون هناك أيضاً حروب أهلية وحروب بين الدول.
بالفوضى العالمية، سوف تظهر الهويات الطائفية والمجتمعية بشكل أكبر وتتفوق على الهويات الوطنية، وسوف يستمر اللاعبون المحليون بالتدخل بالشؤون الداخلية لدول الجوار، يحركهم الدافع نحو الإمدادات الهائلة من الموارد الطبيعية. أما اللاعبون الخارجيون فسيبقون عاجزين أو غير راغبين على إحلال الاستقرار في المنطقة.
باختصار، إن ذروة الحكمة اليوم هي الخروج من هذا الكمين التاريخي بأسرع وقت ممكن، وعدم الركون الى التحليلات النمطية واستهلاك الوقت! إنها لعبة الخرائط، ثمة من يرسم وثمة من ينفذ وثمة من يصدق وثمة من يصفق.. ثمة من يموت وثمة من يعيش، والارض البلهاء تدور حول نفسها.. ونحن ندور معها، للآسف نحن في هذا الشرق نتقاتل حول الوهم بعد ان خرجنا من العصر..!!
——————————-
*كاتبة وأستاذة جامعية
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.