هل تندلع “ثورة جند” جديدة لتحصيل حقوق القوى المسلحة والمتقاعدين

 

بقلم : العميد المتقاعد أنور يحي*

أواخر العام 1912 عُين أوهانس باشا متصرفا على جبل لبنان ووضع الجند ، المكلف المحافظة على الأمن بنطاق المتصرفية التي شملت أقضية :الكورة،البترون،كسروان،المتن،الشوف،جزين وزحلة. بقيادة الميرألاي ملحم بك الخوري .

امتدت حدود المتصرفية مِن :طرابلس شمالا، وصيدا جنوبا، ومن البقاع وبعلبك شرقا، إلى مدينة بيروت والبحر المتوسط غربا.كانت مديرية الشرطة في ولاية بيروت، التي جعلها الأمير بشير الشهابي الثاني،مرفأ لبنانيا وعاصمة الإمارة شتاء.

عين المتصرف أوهانس باشا،الإستاذ حبيب باشا السعد،من كبار موظفي الإدارة،نائبا عنه في رِئاسة مجلس إدارة جبل لبنان وهو اللبناني العريق من بلدة رشميا.

كان الجند والذين تضمهم قطعات الدرك اللبناني العاملةبنطاق المتصرفية ،يشكون قلة رواتبهم والتأخر بالترقية المستحقة لهم،.ناقشوا مطالبهم مع قائدهم ونائب المتصرف لكن مطالبهم ظلت دون تحقيق. كانت وسائل النقل تعتمد الدواب والخيل وصعوبة الإتصالات بين القيادة والقطعات .

بدأ التململ بين جنود الدرك (لم يكن بيحينها جيش وطني،إنما عثماني!) العاملين في منطقة زغرتا،وازدادت نقمة الجنود على المتصرف وقائد الجند الذي وعدهم عند تسلمه الأدارة بتحقيق مطالبهم المُحقة ولم يفعل!

مطلع حزيران 1913،بدأت مسيرة الجنود(عناصر الدرك بحينه) من زغرتا نحو بعبدا مقر المتصرف وقيادة اللألاي ، سيرا على الأقدام وكان عناصر قطعات الدرك ينضمون اليها بعد إقفال المخافر ووصلت أصداء ذلك الى المتصرف الذي طمـأنه حبيب باشا السعد،نائبه، و الأمير ألأي ملحم أنهما سيلتقيان الزاحفين الى بعبدا في جونيه وهما على ثقة بقدرتهما على إنهاء التحرك ؟.توجه نائب الحاكم والقائد والتقيا بالمعترضين على الأجحاف اللاحق بهم في الراتب والترقية،لكن رجال الجند هاجموهما وحملوهما مسؤولية الإجحاف وأصروا على مقابلة المتصرف في بعبدا.

تابعوا مسيرتهم التي شارك فيها أكثر من نصف عديد الجند بقيادة النقيب توفيق طليع،ضابط موثوق من العناصر ويتميز بالشجاعة والمناقبية العسكرية،وأكمل التحرك الى بعبدا للمطالبة بحقوقهم ،فيما قرر القائد تشتيتهم بالقوة بواسطة حامية الجيش التركي  في بعبدا ، لكن المتصرف نزل شخصيا وحاورهم بصدق بعد أن قابلوه بالتحية العسكرية ووعدهم بتصحيح الرواتب ومنح الترقيات للمستحقين .إستكان حشد رجال الدرك لكنهم طالبوا بٌاقالة القائد الفاقد الثقة من جنوده.

عين المتصرف المقدم سعيد بك البستاني قائدا للجند وطلب من مقام الصدارة العظمى إرسال لجنة تضم  مفتشين من الجيش التركي للتحقيق بأسباب ثورة الجند وترأس المير الأي طيار بك، اللجنة وخلال شهرين قدم تقريره الى الحاكم وقضى بتحسين رواتب الدرك ومنحهم الترقيات المستحقة ومحاسبة المقصرين من قادة الجند وإدارة المتصرفية.

كانت ثورة الجند مع قرب بداية الحرب الكونية الأولى وإنتهاء نظام المتصرفية الخاص على الجبل إنذارا كبيرا للقيادة لسرعة إنصاف الجنود (الدرك) بتأمين الرواتب العادلة والترقيات المستحقة لهم خوفا من تركهم الوظيفة الأمنية الوطنية ركيزة هيبة الدولة بحينها،وقد نالوا مطالبهم بتضامنهم وحسن إدارة المتصرف، فيما نشهد اليوم  أسوأ الظروف المالية بحيث أضحى راتب عنصر الأمن لا يوازي 1/16 من قيمة راتبه قبل إنهيار العملة واحتِباس الودائع للناس في المصارف بدون أي أمل بقرب استعادتها،وأضحت القيادة تخفف جهوزية القوى لأقل من 30% تخفيفا عن كاهل عنصر الأمن حيث بات الراتب لا يكفي تكاليف إنتقاله من والى المخفر،وكم تعاني هذه القوى من ضعف التقديمات الأستشفائية للمتطوع وعائلته وكذلك للمتقاعدين الذين كفل القانون 17/90، تنظيم قوى الأمن الداخلي، طبابتهم وذوي العهدة،وها هم يتظاهرون مجتمعين من كافة القوى المسلحة مطالبين بإنصافهم بالراتب والتقاعد والطبابة حيث تسعى إدارة القوى المسلحة لتأمين نفقات الطبابة بكل عزم لكنها تعجز أحيانا مُكرهة عن تلبية مصاريف الطبابة،لضعف الموازنة وشح المساعدات الوطنية والخارجية.

إننا نُحذر من ثورة جند جديدة تقوم بين أفراد القوى المسلحة كلها وهي التي قدمت الشهداءأثناء تنفيذ مهامها   والمكلفة بالدفاع عن الوطن والمحافظة على السلامة العامة وتنفيذ مهام :الضابطة الإدارية ونشر الطمانينة بين الناس وبالضابطة العدلية المكلفة القيام بالتحقيقات العدلية بإشراف القضاء المختص، وملاحقة المجرمين وتوقيفهم وإيداعهم النيابة العامة ، وحيث يُمنع عليهم ذلك قانونا،مطالبين بتحسين الراتب والتعويضات(تعليم ،نقل، طبابة) فإذا كان المتطوع محروم من حق التظاهر والإعتراض على الإجحاف اللاحق به أثناء الخدمة الفعلية ،فإن المتقاعد الذي سبق من هم بالخدمة ، يتظاهر ويمارس حقوقه التي كفلها الدستور وشرعة حقوق الأنسان،ويُعبر عن مشاعر من هم بالخدمة الفعلية والقادمون قريبا الى صفوف المتقاعدين.

ترى هل تستدرك الحكومة والمجلس الطلبات المالية المحقة لمن هم بالخدمة الفعلية والمتقاعدين في القوى المسلحة  قبل “خراب البصرة”؟

—————————————

* قائد سابق للشرطة القضائية