نماذج من “ثقافة الخوَّة والابتزاز” التي أسهمت في خراب لبنان

بقلم : عباس صالح*

ثقافة الابتزاز المتفشية في كل انحاء الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها ودوائرها واجهزتها هي واحدة من ابرز وأهموأخطر الآفات التي أدت لتآكل الدولة وقضت على هيكليتها وحولت اللبنانيين إلى العيش في كنف قوانين الغابات التيتتحكم بها وحوش هي بالفعل أسوأ من الوحوش الكاسرة وأضل سبيلاً.

والحق يقال أن من عمم ويعمم ثقافة الابتزاز وينشرها بين طبقات المجتمع المنكوب، هم القيمين على التشريع في لبنان،الذين يظهر انهم يتعمدون سن قوانين تسهل عمليات الابتزاز، وتتيح للمبتزين التحكم بالمواطنين، لا بل تمنح هؤلاءحقوقاً حصرية وسلطات مباشرة، تربط مصالح عموم اللبنانيين بهم مباشرة وتجعلهم يطأطئون رؤوسهم ذلاً أمام أعتىوأقسى وارذل سلطات رديفة، لا عمل لها فعلياً، ولا فائدة عامة ترتجى منها، سوى انها سلطات مصطنعة ومرتبطة مباشرةبالمنظومة الحاكمة التي تتقاسم اصلاً ادارة البلاد وايراداتها كما يتقاسم الشركاء الأرباح.

نماذج المبتزين كثيرة، ولا تعد ولا تحصى، وهي ثقافة باتت ضاربة في طول البلاد وعرضها، حتى يكاد يصح القول ان كلالقطاعات الحيوية صارتقطاعات ابتزازوتعتمد في كل تفصيل من تفاصيل عملها على مباديء الابتزاز، لكنناسنكتفي في هذا المقال العجالة بابراز نموذجين او ثلاثة نماذج لتسليط الضوء على خطورة هذه الآفة وتأثيراتها السلبيةالحائلة امام قيام الدولة في لبنان والتي لا يفهمها عقل ولا يحوطها منطق.

في النموذج الاول يمكن لنا ان نأخذتنفيعةبعض النقابات الاساسية في البلاد، من خلال تسليمها رقاب الناسوالمواطنين والمراجعين واصحاب الحاجة للتحكم بهم كيفما تشاء وتقرر، وتفرض عليهم ما تصفه بالرسومالخارجة عنكل معقول ومنطقي ومقبول لقاء الموافقة على معاملاتهم، فيما هو في واقع الامر لا يمكن تسميته الا بالخوَّةوذلكلتطابقها التام مع مفاهيم الخوة بكل حذافيرها، وبكل معاني الكلمة وابعادها، نظرا لأنها تُفرَضُ فرضاً على صاحبالحاجة، وتجبره على دفع مبالغ تفوق الخيال في معظم الاحيان، وتتجاوز الرسوم المخصصة للدولة في كل الحالاتبعشرات، واحياناً مئات الاضعاف غالباً، وبما يشبه الفضيحة الفعلية، لانجاز معاملته.

في هذا السياق سنكتفي بتسليط الضوء على ثلاثة نماذج حية لثلاثة نقابات اساسية تتقاضى من المواطنين اموالاًطائلة لتوافق على معاملتهم التي اشترط المشرعون نيلها في عمليةإلغائيةغير مفهومة لبعض ادارات الدولةالاساسية التي استبدلت بهذه النقابات واولها على سبيل المثال نقابة المهندسين التي تفرض على كل معاملة بناء فيالمدن الاساسية مبالغ خيالية تصل الى مئات الالاف منالدولارات الطازجةوتفوقها احيانا كرسوم غير مفهومة لهذهالنقابة، بعيداً عن اتعاب المهندسين المباشرين للمشروع، وهذا بالطبع هو جزء يسير وبسيط من لائحة الرسوم التي لاتقف عند حدود معينة ولا مجال لتعدادها في هذه العجالة.

ونقابة الاطباء ايضاً أعطيت ايضاًتنفيعةالتحكم بالمواطنين وابتزازهم من خلال باقة رسوم ابرزها رسم إصدارالشهادات الصحية على انواعها ومثالها الصارخ هو الشهادة المطلوبة لتجديد رخص سوق السيارات والذي يوصفبالرسمالفضيحة ايضا نظرا لأنه يفوق الرسم المفروض على السائق لمالية الدولة لتجديد رخصة سوقه بمئات المرات !… وهي احدى الاوراق المطلوبة لتجديد رخصة السوق، وتمنح بلا معاينة كما تبين اخيراً من خلال التحقيقات القضائية،وبمجرد ان يدفع ثمنها، تعطى للسائق او منفذ المعاملةوقِسْ على ذلك من رسوم غير مبررة ولا منطقية ابداً . وهو مايحصل ايضا في نقابة المحامين التي تفرض رسوماً خيالية صارت بالمئات من الدولارات الطازجة ايضاً على المتقدمينبطلبات انتساب اليها، كثمن لورقة الطلب والتي هي نسخة مصورة (copy) كما تفرض كذلك رسوماً غير منطقية ولاعقلانية على المتقاضين من خلال موكليهم والرسوم على التوكيلات التي تنظم من المواطن لمحاميه! وفي هذا المضمارايضاً يمكن لنا ان نذكر عشرات الامثلة التي تعتبر فضائح حقيقية، تظهر بوضوح ثقافة الابتزاز المعتمدة منذ مدة طويلةلدى الطبقة الحاكمة في لبنان وهي التي أدت مجتمعة    

الى هذا الخراب الحقيقي في بنية الدولة التي كانت بفعل هذه الاجراءات ومثيلاتها تتلاشى شيئًا فشيئًا حتى وصلتالى الانهيار . والمجرم دائما هو المشرِّع الذي مارس إجرامه بحق الوطن ودولته واعطى هذه المِنَح وحقوق التحكم وفرضالرسوم غير المدروسة، واللامنطقية من احسن توصيف، لكيانات رديفة لا علاقة لها بهيكلية الدولة، ولا تصب في اي حالمن الاحوال في خانة الصالح العام ، انما كانت وما تزال عبارة عن تنفيعة لكيانات موالية للمنظومة الحاكمة بشتىفئاتها وتلاوينهاوهذا ما أسهم بشكل او بآخر في تعميم عقلية الابتزاز السائدة لدى كل القطاعات الاخرى كقطاعاتالتجارة والاستيراد وقطاع توليد الكهرباء وكل القطاعات الاخرى.

———————————————-

*صحافي. رئيس تحريرالدنيا نيوز“.