نكتُب.. حين لا يبقى سوى الوجع .. لأن الكلمات لا تموت
بقلم : دكتور ميشلين بيطار*
سألني صديق: ما جدوى أن نكتُب ولا أحد يَقرأ.. ؟
لاحَت على ملامحي إبتسامة ..! كَم إنتظرت هذا السؤال..؟ وقلت:
نكتب لا ليقرأنا أحد، بل لنقرأ أنفسنا.. نكتب لنسمع أصواتنا حين يصمّنا صخب العالم، ولنحفظ ما يتساقط منّا في زحمة الأيام..! نكتب لأن الكلمة رسول بين العقول والقلوب والضمائر، تكسر الحصار وتتحدّى الأسوار..
نكتب حين تسوء الأمور، حين يخذلنا من ظننّاهم أمان، وحين لا يبقى سوى الوجع..! نسمّيه و نخاطبه ، فتصبح مفرداتنا منازلنا..!
نكتب لنقاوم النسيان، لأن الكلمات لا تموت، ولأن الأدب مشاعر والفكرة رسالة.. هو على غرار العالم يحتفظ بما هو صادق ويقدّسه..!
نكتب لأن الأدب نتاج الفن والحضارة، التاريخ والإنسانية.. مقياس الاخلاق والجمال.. “ليس الجمال بأثواب تزيننا … إن الجمال جمال العلم والأدبِ”..!
نكتب لنرفع أصواتآ لم تُسمع، ونرى أنفسنا بين صدى كلماتهم، حقيقةً بلا أقنعة، وحُبآ بِلا خوف..!
ربّما نكتب أيضًا لكي يكتشفنا أحدهم يومًا… رغم اختبائنا بين السطور والعبارات، أن يلتقط وجعنا المتوارِي، ويقرأ روحنا كما لو كانت قصيدة..!
الكتابة فعل حرية، ومساحة تفاعل لا تطالها القيود.. في زمن الكذب، تصبح فعل مقاومة، وفي زمن الخيبة، فعل حب..! وبعد كل عاصفة.. نكتب لنسأل أنفسنا من أصبحنا..؟ فالكلمات وحدها قادرة أن تكشف ما تبقّى منا، كيف صُهِرنا لنخرج أكثر وضوحًا، أقسى على ما يؤذينا، وأرحم مع ما يشبهنا..!
لهذا نحن نكتب.. لا لنقنع الآخرين، ولا لنملأ أعينهم بالكلمات.. بل لننقذ أرواحنا من الضياع، لنريح الوجدان والقلب.. ولنترك أثرًا صغيرًا يقول: كنّا هنا ولم نصمت..
————————-
*إخصائية في طب الأسنان التجميلي. وإبنة طرابلس الفيحاء..