مِعبَر التَنَف الجَوِّي ..!

– ألوجهة : مطار (رفيق الحريري) بيروت الدولي BEY (OLBA)
– ألمسافة الجوية : 1467.5 Km
– ألمدة الزمنية 7:00 H ..

في الوقائع :
إنطلقت ألطائرة المدنية نوع Air bus 320 ألتابعة للخطوط الجوية الايرانية “ماهان” Mahan Air في ألرحلة رقم W5 1153 مُتبِعَةً و مُلتزمة الممر الجوي الدولي المحدد مِن قبل المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO وبعبورها ألأجواء السورية محلقة على ارتفاع 28000 قدم إعترضتها مقاتلتين أميركيتين نوع F-15 حيث تسببت مناوراتهما بإرتباك الطاقم الايراني الذي كاد يفقد السيطرة عليها ؛ كما سادت حالة مِن الذعر والهلع اوساط المسافرين وعددهم 155 راكبآ معظمهم مِن اللبنانيين اصيب عدد منهم بجروح بسيطة ورضوض نتيجة تغيير الارتفاع المفاجيء (الهبوط) لتجنب الاصطدام ..!
 
تلى ذلك اعلان ألقومندان U.S. Central Command Spokesman – Bill Urban ألمتحدث بإسم الجنرال Kenneth F. McKenzie قائد القيادة المركزية الاميركية الوسطى عن “أن ألتدقيق البصري فرض الاقتراب مِن الطائرة الايرانية خلال مهمة جوية روتينية في الاجواء السورية،  وذلك لضمان امن وسلامة قوات التحالف الدولي في قاعدة “ألتنف”..!
– مع الاشارة إلى أن القاعدة تقع عَلى مسافة 24 Km مِن معبر ألتنف عَلى المثلث الحدودي العراقي- السوري- الاردني في محافظة حمص..!
كان مِن ألطبيعي أن يستخدم الناطق العسكري الاميركي عبارات تقنية ذات خلفية مهنية مضيفآ أنه : “بمجرد أن حدّد طيار الـ”أف-15″ الطائرة المدنية Mahan وهويتها فتحت طائرة الـ”أف-15” مسافة آمنة الى الطائرة”، مؤكداً أنه “تم إجراء التقاطع المهني وفقاً للمعايير الدولية”..
بالمنطق المقابل من غير الطبيعي ان تكون القوى العسكرية الاميركية المتمركزة في سوريا المزودة ب “أرمادا” بطاريات صواريخ ألدفاع الحوي Patriot وأنظمتها و راداراتها المتطورة القادرة عَلى كشف اسراب الطيور ألمهاجرة مكشوفة مضطرة لإجراء ما يسمى التدقيق الجوي البصري Standard Visual Inspection أما التبرير الافدح فقد ورد عَلى لسان ناطق عسكري رسمي في اتصال مع الشبكة الاخبارية ABC News قائلآ “إن إجراء التدقيق البصري تم بعد عدم إستجابة قبطان الطائرة لطلب التعريف عَبرَ الراديو”..!
مِن المعلومات المتوفرة تبين أن “الاقتراب” Air Approach لطائرتي أل F-15 تم عَلى خط متوازي parallèle مِن فوق وتحت الطائرة المدنية ضمن مسافة غير إفتراضية Hypothetical لا تعتبر آمنة أقل مِن 3280 ft مع مدة زمنية لتوقع الاصطدام تقل عن 25 ثانية ألأمر الذي أطلق في قمرة طائرة أل Air Bus الانذار الضوئي و السمعي لجهاز تفادي الاصطدام TCAS – Traffic Collision Avoidance Système و هو تقنيآ العين الالكترونية التي تسمح لقائد الطائرة مشاهدة حركة مرور الطائرات في محيط 40 miles و ارتفاع 9000 قدم أعلى و اسفل مِما اجبره عَلى تغيير المسار و الارتفاع ..
 
إستطرادآ دون التطرق للشروط القانونية لعملية الاقتراب أو التعمق في التفاصيل التقنية فإن الطائرات المدنية مزودة بعدة اجهزة تسمح بمعرفة هويتها منها جهاز التعريف ألآلي ألمستجيب Tranponder «Transmitter-Responder الملقم برمز التعريف Code Squawk الخاص الذي يظهر عَلى شاشة رادار المراقبة الجوية و تطبيق نظام منع التصادم الجوي Airborne Collision Avoidance System -ACAS
و نظام رادار المراقبة الثانوي Secondary Surveillance Radar -SSR المستقل بالكامل عن اجهزة المراقبة الارضية و جهاز ألتتبع Automatic Dépendent Surveillance- Broadcast ADS-B الذي يحدد موقع الطائرة عَبرَ الاقمار الاصطناعية مِما تقدم تقنيآ و ببساطة يتبين عدم الضرورة لإجراء التدقيق البصري مِما يؤكد ايضآ ان ما حصل رسالة أميركية لطهران بالبريد الجوي الحربي ..!
 
 
في الارتدادات ؛ قبل اقرار الولايات المتحدة بالحادث كانت هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية قد بثت خبر اعتراض مقاتلة تابعة لسلاح جو العدو ألإسرائيلي طائرة الخطوط الجوية الايرانية في الاجواء السورية واصفآ الحادثة بأنه إستفزاز خطير ؛ كما قدمت طهران شكوى رسمية الى المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO احتجاجآ عَلى الحادثة ؛ في حين وصف وزير النقل الايراني اعتراض الطائرة بأنه “ارهاب الدولة” ؛ مستشار الرئيس الايراني عَلَق بعبارة (ان مِن يهتم لحياة قياداته عليه الا يعرض مسافري ايران للخطر) ؛ مساعدة الرئيس الايراني للشؤون القانونية صرحت (ان مضايقة الطائرة المدنية في اجواء دولة اخرى تعتبر انتهاكآ صريحآ لامن الطيران المدني و اتفاقيتي شيكاغو و مونتريال) مؤكدة ان ما حصل سيتم متابعته لدى محكمة العدل الدولية ..! منظمة الطيران المدني الايرانية اعتبرت تصرفات المقاتلتين الأمريكيتين اللتين أعاقتا حركة طائرة ركاب إيرانية انتهاكا صريحا للقانون الدولي ومعاييره ومعايير الملاحة الجوية ..! مع الاشارة
الى ان شركة الطيران الإيرانية (ماهان) تخضع لعقوبات أميركية بتهمة نقل مقاتلين وأسلحة لحساب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ..!
 
مِن جهة اخرى ؛ لا مصادفة أو خطأ في عملية الاعتراض ؛ إذ تعتبر الحادثة الاولى مِن نوعها في الاجواء السورية المستباحة بشكل دائم مِن طائرات التحالف الاميركي الدولي وسلاح الجو التركي والاسرائيلي والروسي هذا عدا عن سلاح الجو السوري مِما يؤكد عَلى تنسيق غير معلن بين الاصدقاء و الخصوم تلافيآ لأية حادثة جوية قد تؤدي الى رفع مستوى التوتر و بالتالي فتح مواجهة غير محسوبة او مرغوبآ بها ..! كما بدا واضحآ ان عودة الطائرة الايرانية الى طهران بعد التزود بالوقود في بيروت متبعةً نفس المسار نوعآ مِن تحدٍ للتصرف العدائي او رفضآ لحظر جوي اميركي مفترض و غير معلن ..!
 
في قراءة العنوان العريض للحادث يَبدو ان قائد القيادة المركزية الاميركية الوسطى US-CENTCOM الجنرال كينيث ماكنزي الذي عين في منصبه منذ اشهر قليلة و بعد ان طلب مِن البنتاغون تعزيز قواته المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط عديدآ وقدرات تسليحية يعتمد استراتيجية “ردع ايران لا فتح حرب مكشوفة معها” مواصلآ تشديد قبضته “سياسة الضغط الاقصى” Maximum Pressure معتبرآ أنها “اهم تهديد للاستقرار في منطقة عملياته” وهو قرر ضبط الممر الجوي طهران – دمشق – بيروت بألتوازي مع الممر البري الاستراتيجي للمحور نفسه ايران-العراق – سوريا – لُبنان والمثلث الحدودي الايراني-العراقي- الاردني (معبر التنف) تلبية لسياسة حصار حزب الله و”كنتنة” لُبنان Quarantine ..!
مِن هذا المنطلق فإن زيادة عديد القوات الاميركية وإنتشار القواعد العسكرية في سوريا والعراق مع دعمها بمدمرات وحاملات طائرات الاسطول الخامس العامل أساسآ في منطقة الخليج الفارسي وبحر العرب والمحيط الهندي إضافة الى دخول قسم كبير مِن القطع البحرية التابعة للأسطول السادس مياه البحر المتوسط المتمركزة قيادته في مدينة نابولي الايطالية متخلية عن قسم مِن منطقة عملياتها (أفريقيا غربآ
و جنوبآ) يحتمل تفسيرين لا ثالث لهما “الحرب او الردع” لكن عملية اعتراض طائرة الركاب Mahan Air
تفسر رجحان كفة الردع لدى قيادة أركان الجنرال ماكنزي مع تجنب حدوث نزاع مفاجيء عن طريق الخطأ
بالتزامن مع اظهار توفر قدرة الرد ألإستراتيجي عند الاقتضاء ..!
 
 
عَلى صعيد آخر ، يعرف عن الجنرال “كينيث ماكنزي” أجادته قراءة الجغرافيا السياسية Geopolitical
في الشرق الاوسط و هو لا يتردد في تطبيق ” النظرية الميكافيلية” Machiavelli (الغاية تبرر الوسيلة) ؛
كما أنه يعتمد غالبآ في مواجهة خصمه النظرية الثانية التالية: “إنها متعة مضاعفة عندما تخدع المخادع”.. أما الرهان على مَدى الصبر الاستراتيجي لدى حائك السجاد الاصفهاني فَلا طائل منه فَهي غير محدودة ؛ يَبقى إذن حجم توازي قدرة الردع لديه موضع تساؤل .. أما عن “متعة الخداع” فكلا الطرفين يتمتعان بها ؛ هي اسلوب معتمد في المواجهات والحروب يدخل ضمنها إتقان فن ألمفاجآت الغير منتظرة ..!
 
بيروت في 27.07.2020