مي منسى .. وانتهى اللقاء دون ان ينتهي سحره

 

 

بقلم : عفاف علوية*

لم يكن لقائي بالأديبة الراحلة مي منسى بالسهولة التي كنت أتوقعها.اتصلت بها مرات عديدة لترتيب اللقاء الذي يتمحور حول رسالتي في الماجستير وتحديدا روايتيها الساعة الرملية وانتعل الغبار وامشي، ولكنها كانت تعتذر لاسباب صحية لها علاقة بالعمليات المتتالية التي كانت تجريها ليدها، إلى أن قدر لي أن التقي بها أخيرا وحصل اللقاء الموعود…
لم اصدق ما رأته عيناي آنذاك، امرأة في السابعة والسبعين من عمرها، في منتهى الترتيب والأناقة، بشعرها القصير، وملامح وجهها الجميل الذي عجزت التجاعيد وقسوة السنين عن محوها. التقيت بها أمام مبنى جريدة النهار في وسط بيروت تشتري دفترا صغيرا وقلم رصاص كما هي عادتها طيلة السنوات التي قضتها في جريدة النهار.صعدنا سويا الى مبنى الجريدة، واختارت غرفة جانبية بعيدا عن خلية النحل المنتشرة هناك. بدأت حديثها الدافئ بالثناء على حجابي والتعبير عن اعجابها بطريقة الحجاب والبهاء الذي يضفيه على المحجبات.فورا فهمت مغزى هذا المديح من خلال إسهابها في التعبير عن قبولها الآخر الذي يختلف عنها وهي المرأة المسيحية التي تؤمن بالعيش المشترك، وأن لبنانها الذي تحب وطن لجميع أبنائه على اختلاف انتماءاتهم.
بعدها بدأنا الحوار بالحديث عن رحلتها في عالم الرواية وهي الكاتبة الصحافية في جريدة النهار. اختارت بداية أن تحدثني عن مأساة عائلتها ومرض شقيقها. ولكنها سرعان ما انتقلت الى المساحة المفضلة في ذاكرتها، وهي منزلها في منطقة أدونيس .حدثتني عن العصفور الذي تواطأت معه منذ سنوات عديدة لكي يوقظها عند الساعة السابعة صباحا، ينقر على شباكها نقرات خفيفة، ثم يبدأ باحتفاليته المعتادة احتفاء باستيقاظ أميرته النائمة. وأيضا حدثتتي عن فلسفتها لاختيارها العيش وحيدة، رغم الدعوات المتتالية التي وجهها اليها ابنها الوحيد للانتقال إلى بيته. قالت لي بالفرنسية إنها لا تعيش وحدها وإنما تعيش avec moi. وأسهبت في الحديث عن أهمية الإحساس بالذات وتقديرها. حدثتني عن علاقتها بالرجل الحبيب، وكيف تحيي مشاعر الحب والعشق في خيالها، وتعبّر عنه في أبهى حلّته وأوج توهجه في رواياتها، حدثتني عن عشقها للقلم، وعن العوالم التي تدخلها مع كل حرف تخطه… انتهى اللقاء، من دون أن ينتهي سحره، بقيت أسيرة عالمها اياما عديدة، رحت خلاله أروي لصديقاتي تفاصيل اللقاء الحلم الذي استيقظت منه مع خبر رحيلها.


 

* إعلامية