ليبيا من دون سلامة …!

بقلم ألعَميد منذر ألأيوبي*
لم يكن إنهيار ألهدنة بين طرفي ألصِراع في ليبيا ألجيش ألوطني ألليبي-قوات شرق ليبيا بقيادة ألمُشير خليفة حفتر و قوات حُكومَة ألوفاق برئاسة فائز ألسراج ألسبب ألمباشر أو ألوحيد لإعلان ألمبعوث ألأممي إلى ليبيا ألوزير ألسابق غسان سلامة إستقالته يوم أول من أمس ؛ فوفق ما أعلن في تغريدة له “أن حالته ألصحية لم تعد تسمح له بهذه ألوتيرة من ألإجهاد” ..! و أنه تقدم بإستقالته إلى ألأمين ألعام للأمم ألمتحدة أنطونيو غوتيريس لأجل إعفائه من مهامه آملآ لليبيا ألسلام و ألإستقرار ..!
عامين و نصف مضوا كابد خلالها ألرجل منذ تاريخ إنتدابه لمهمته ألهادفة إلى إخراج هذا ألبلد ألعربي من محنته و لم شمل ألشعب ألليبي و صون وحدته إضافة إلى سعيه ألدؤوب لوقف ألتدخلات ألخارجية لكن دون جدوى ؛ و بألرغم من نجاحه في إستصدار ألقرار 2510 عن ألأُمم ألمتحدة ألمتضمن : “ألحاجة إلى وقف دائم لإطلاق ألنار في ليبيا و دون شروط مسبقة ، يشدد ألقرار على ألإلتزام بسيادة و إستقلال و سلامة و وحدة ألأراضي ألليبية كما يؤكد على ألدَعم ألقوي للجهود ألتي يقودها غسان سلامة ألمبعوث ألأممي ألخاص لإنهاء ألأزمة بين ألأطراف ألمتحاربة” فإن عثرات تطبيقه كانت واضحة و ألمعرقلين كُثُر ، كما أن ألإتفاق ألدولي و مقررات قمة برلين لأجل ليبيا ألتي عقدت برعاية ألأمم ألمتحدة بتاريخ 19 كانون ألثاني ألماضي و شارك فيها ألأطراف ألإقليميين على رأسهم ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين و نظيره ألتركي رجب طيب أردوغان و رؤساء كُلُ من فرنسا، إيطاليا ، مصر و ألجزائر إضافَةً إلى رئيسة ألمفوضية ألأوروبية بقيت حبرآ على ورق رغم ألتوافق عَليها إذ لم تؤتِ ثمارها في كَبح ألعنف ألمتفاقم و ألسير بألحل ألسلمي ألمنشود ..!
في سياق متصل ؛ فإن نتائج هذا ألمؤتمر ألموجزة بِ “وقف إطلاق ألنار ، حظر إرسال ألأسلحة إلى ليبيا ، إلتزام ألأطراف ألإقليميين عدم ألتَدَخُل في ألشأن ألليبي” كانَت لتشكل في حينه ألإطار ألمقبول و ألخطوة ألأولى على مسار ألحل ألسلمي ألمنشود ، يومها إعتبرت ألمستشارة ألألمانية إنجيلا ميركل ألقمة “خطوة صغيرة إلى ألأمام” دون إبداء ألكثير من ألتفاؤل خاصة بعد رفض قائدي ألصراع (ألسراج – حفتر) أللقاء ألمباشر وجهآ لوجه في ترجمة واضحة لعمق ألصراع و أسبابه إضافَةً لإرتباط كل منهما بأجندات ألأفرِقاء خارجيين ..!
مما لاشك فيه أن إستقالة ألمبعوث ألأممي غسان سلامة لا تعني فشل ألرجل في مهمته و نهجه لجهة وضع أسس ألحل ألمرتجى للحرب ألأهلية ألمندلعة منذ سنوات بل هي إشارة واضحة لإنهيار خطة ألسلام نتيجة جملة عوامل داخلية و تدخلات إقليمية خارجية مع طرفي ألنزاع لا تزال تمنع هذا ألبلد من إستعادة سيادته و إستقلاله منذ أحداث (ألربيع ألعربي) و سقوط نظام ألقذافي عام 2011 و ذلك على خلفية مَصالح إستراتيجية ليس أقلها مصادر ألطاقة “ألنفط و ألغاز” ألمقدرة عائداتها بحوالي 50 مليار دولار سنويآ ..!
من جهة أخرى ؛ أتَى ألتدخل ألعسكري ألتركي مع فصائل ألمرتزقة و ألتنظيمات ألإرهابية ألَتي كانَت تقاتل في سوريا معطوفآ على إتفاقية أنقرة 2019 ألعسكرية و ألأمنية ألموقعة بين ألحكومة ألتركية و رئيس حكومة ألوفاق فائز ألسراج ليصب ألزيت على نار ألصراع ، حيث أعلن ألرئيس ألتركي أردوغان : أن تُركيا متواجدة في ليبيا عبر قوَة تجري عمليات تدريب كذلك مجموعات من مقاتلي ألمعارضة ألسورية “ألجيش آلسوري ألحُر”.
بألتزامن أكد ألجنرال حفتر أنه سيواجه “ألغزاة ألأتراك ألعثمانيين” و في حال لم تتوصل مفاوضات جنيف إلى إرساء ألأمن و ألسلام في ألبلاد و سحب ألمرتزقة إلى حيث أتوا فإن ألقوات ألمسلحة ألليبية ستقوم بواجبها ألدستوري في ألدفاع عن ألبلاد مستطردآ بعبارة (لقد نفذ صبرنا) ..!
تقديم إستقالة ألمبعوث ألأممي غسان سلامة كان قد سبقها تأكيده أن ألمفاوضات متواصلة في محادثات ألمسار ألسياسي ألليبي بمقر ألأمم ألمتحدة في جنيف ، بِالمقابل كواليس ألإجتماعات لم تكن تبدي تفاؤلآ 
أو تعلق آمالآ بإمكانية ألوصول إلى نتائج إيجابية في ظل إصرار أعضاء ما يسمى ألمجلس ألأعلى للدولة و أعضاء برلمان محافظة طبرق على قرارهم مقاطعة ألجلسات معتبرين موقف غسان سلامة غامضآ و منحازآ ألى ألجنرال حفتر و تغاضيه عن خروقات قوات ألأخير لقرارات مجلس ألأمن ألمتعلقة بألوقف ألشامل لإطلاق ألنار ..! مع إشتباههم أيضآ أن ألبعثة الأممية تريد تحويل مفاوضات جنيف إلى مسار طرح مَجلِس تأسيسي جديد و بديل عن مجلسي ألنواب و الدولة ..!
في شمولية ألمشهد ، لا تعتبر إستقالة غسان سلامة عجزآ مِنهُ أو أهمالآ عن ألقيام بدوره ألمضني لكنها تعني سقوطآ مدويآ لفعالية ألأمم ألمتحدة و مجلس ألأمن ألدولي في فرض قراراته على بقع ألصراع ، إذ لا تزال ليبيا وسط أللهيب ألمنذر بتمزيقها و تقسيمها وفق ألنتائج ألجيوسياسية ألمحصلة في ألميدان بألأدوات ألليبية نفسها و لصالح ألدول ألمنغمسة في ألشأن ألليبي ..!
توازيآ فإن فشل مؤتمر جنيف و قمة برلين و إجتماعات أخرى متعددة سَبَقَ و عقدت برعاية سلامة سواء تلك ألهادفة إلى إنجاز ألمصالحات بين ألشرائح ألديموغرافية و ألقبلية أو تلك ألساعية إلى إنجاح ألحل ألسلمي و حقن ألدماء يعني إستمرار ألأزمة و طول مدتها و بألتالي بقاء ألأراضي ألليبية مساحة جغرافية مستقطعة من ألخارطة ألعربية لتصفية ألحسابات ألإقليمية بألحديد و ألنار و تقريشها تاليآ لصالح ألطرف ألفائز و هو حتمآ ليس ألدولة ألليبية ..!
من ألمؤكد أن إستقالة غسان سلامة ستترك فراغآ على مستوى بعثة ألأمم ألمتحدة ألمعنية بوقف ألحرب 
و إحلال ألسلام في ليبيا كما أن ألإسراع في تعيين ألبديل يعتبر أمرآ ضروريآ لا سيما و أن ألمبعوث ألأممي ألجديد سيحتاج وقتآ لَيسَ ب قصير للإلمام بتفاصيل ألملف و ألمتابعة من حيث وصل إليه سلفه ..!
بيروت 04.03.2020
*عميد، كاتِب و باحث.