لبنان ودمعة الهند في المأساة سواء..!

بقلم العميد منذر الايوبي *

قد تُعتبر الوطن الثاني لفئة كبيرة من اللبنانيين، عدة اجيال حضنتهن نساءها ورعتهن في طفولتهم، زمن بحبوحة ولى او نُحِر..! طبقة وسطى طيف مجتمعي عريض رمادي التموضع بين غنى وفقر.. صلب قناعة استُقدموا بُعدُ وجاهة ولو مع تصنع قلة.. واذ وجدوا في بلاد الارز ملاذآ ومصدر رزق حلال، باتت العلاقة حميمية حد اندماج كل منهن في عائلة. حملن المهمة الاسمى، بديل امومة وتدبير منزل،، لم يَكُنَّ جَوارٍ يومآ، عاق ذا من افتكر ظن او اعتقد..! خيبة دفعتهن للرحيل بخفي حنين إثر ثورة 17 تشرين وما تلاها من احداث وانهيارات اقتناع يأس من ادراك حاجة او رجوع..!

انهن نساء دمعة الهند وبناتها “سريلانكا” الجزيرة الجميلة المشعة شمال المحيط الهندي، نقطة التقاء وتقاطع الطرق البحرية بين غرب آسيا وجنوب شرقها.! ذات امتياز تنوع طبيعي حيوي ومقصد سياحي عالمي، بالتوازي مع ارث حضاري عميق في المدى الزمني وآثار التواجد الانساني؛ صفحات متعددة اللغات تضفي رمزية مجتمعية لتنوع الاعراق والديانات وان البوذية تصدرت دون استعلاء..!

فيما جرى من سوء الصدف، اصابتها لوثة الوطن المنكوب، تتخلف هذه الدولة عن تسديد ديونها الخارجية البالغة 55 مليار دولار، على خلفية أسوأ ازمة اقتصادية مع موجة ركود تواجهها منذ استقلالها عام 1948.! تدهور في الوضع المالي، نقص في العملات الاجنبية او الصعبة، محاولة اعادة رسملة غير مجدية او تأجيل تسديد الديون والمستحقات لاصحاب الحقوق، مع عرض خيار تحصيل بالروبية العملة الوطنية..!
حال الشعب في المعاناة، نقمة تولدت من ارتفاع نسبة التضخم 12%، ترجمت مظاهرات احتجاجية مناهضة للحكومة وسياساتها لم تخلو من اعمال عنف متفرقة، مستوى معيشة متدنٍ، انقطاع مستمر في التيار الكهربائي، نقص خطير في الدواء والغذاء والمحروقات، مصارف لم تؤمن معاملة متساوية مع المودعين الخ…!
في مختصر الاسباب؛ ارتفاع نسبة الفقر نتيجة توقف عجلة الاقتصاد بالتزامن مع جائحة كوفيد-19، انخفاض في الايرادات الضريبية، تضاؤل النشاط السياحي، الانفاق الحكومي العشوائي والغير محسوب، ديون هائلة للصين ناهزت 5 مليار دولار..!

في تماثل مصغر مع سادة بلاد الارز، حال من الفساد عمت الادارات العامة والحكومية على سبيل المثال لا الحصر “وضع عديد من السيارات الرباعية الدفع بتصرف الوزراء والنواب كما عشرات المرافقين والحراس، اضافة الى استهلاك مفتوح للمحروقات مع منح امتيازات مالية عالية في الرواتب كبدل السكن والترفيه”..!
في المعالجات؛ بطء وارتباك إثر خفض تصنيفها من قبل الوكالات الدولية؛ سعي الحصول على اربعة مليارات دولار لتجاوز ازمة ميزان المدفوعات وتعزيز احتياطات مستنفذة، تسبب في انزلاق لا مناص منه لصندوق النقد الدولي، ارتهان مؤلم مع مخاوف من افلاس دفع حاكم المصرف المركزي للاستقالة طوعآ،”خلافا لحاكمنا” خلفية إنعدام تواطؤه مع سلطة يائسة، تتخبط في وضع برنامج انقاذ، ما دفع وزراء الحكومة الحالية ال 26 للاستقالة..!

أخيرآ، الازمة تراوح مكانها، واذ نفتقد اهلها يوم كانوا يتركون وطنهن وبيوتهن ليقيموا بيننا فإن هذا التبسيط لا يفِ قدرهن حقآ، ف قصصهن ومعاناتهن اكبر واعمق.. سريلانكا التي سميت قديمآ “ارض الشعب المبتسم” لنا ولهم مشترك من شعر احمد شوقي بيت شهير “نصحت ونحن مختلفون دارآ… ولكن كلنا في الهم شرق”..

بيروت في 19.04.2022