لبنان والمؤتمر التأسيسي.. قراءة في أبعاد الأزمة وتداعياتها

 

 

بقلم : نمر ابي ديب*
عندما تتقاطع عناوين مرحلة مُعَيَّنة ومتطلباتها الشعبية السياسية، الإقتصادية، وحتى الأمنية والقضائي مع طرح ” المؤتمر التأسيسي ” نتلمس بحكم الواقعية السياسية مفاعيل المُسَبِبات الداخلية الظرفية منها والإستراتيجية الدافعة بشكل مباشر في مسار التغيير أو في الحد الأدنى ” التعديل ” على قاعدة تطوير النظام السياسي والشروع في بناء الدولة العصرية القادرة والقوية وفق أولويات المصلحة الوطنية التي تُجَسِّدُها مُسبقاً عوامل الجغرافيا السياسية وموازين القوى الداخلية المانحة على مستوى إدارة المرحلة الإنتقالية والحضورين الإقليمي والدولي شرعية وجودية للتغيير وأيضاً ضمانة سياسية للأستقرار الداخلي في بُعدَيه الإقتصادي والأمني، ما يؤَكِّد على حقيقتين.
– المواكبة الإقليمية للمشهد: إنطلاقاً من غياب العوامل المانحة على المستوى اللبناني أمكانية فك الأرتباط السياسي والعسكري مع المحيط الإقليمي نتيجة التداخل التاريخي مع هذا المُحيط ودخول المنطقة برمتها ومعها لبنان مراحل الصياغة الأخيرة لخارطة النفوذ العالمي الجديد الروسي/الأميركي بِبُعدِه السياسي وإنتشاره العسكري.
– الشرعية العددية: العنوان الأبرز على الساحة الداخلية والمساهم الأول في رسم وصياغة القوى المعنية بالتغيير هندسات سياسية ضامنة في حده الأدنى للتوازن الداخلي على قاعدة “الأنتقال التدريجي” للدولة ومؤسساتها من ثنائية الصيغة التي كرَّسها ” إتفاق الطائف ” إلى مركزية المُثالثة السياسية في النظام الداخلي أنطلاقاً من عوامل عديدة أبرزها الأحجام السياسية للقوى الداخلية، فائض القوة الموجود على الساحة اللبنانية، تراكم الإنجازات العسكرية والسياسية المانحة على مستوى مركزية الدولة شرعية الموقع وشعبية الإنتقال.

يُجَسِّد المؤتمر التأسيسي في بنيته العملية رغبة سياسية في التغيير وأيضاً إرادة وطنية جامعة للتعدُدَِّية السياسية والطوائف، عابرة للمسلمات الداخلية، وأيضاً للضوابط، منبثقة من مفاعيل أزمة وجودية من ضرورات مرحلية توفرت فيها مقومات الإنتقال الناجح للنظام السياسي من واقعية الفشل المُستَشري في إدارات الدولة إلى مثالية الطرح التغييري الموافق عليه بإجماع الحضور والمُوَقَّعْ بأكثرية القوى الموجودة على طاولات البحث السياسي، بالتالي عندما نتحدث في بلد الطوائف لبنان عن “مؤتمر تأسيسي” نتحدث بحكم التجربة السياسية عن فائض القوة الداخلي وتأثيره المباشر على الصيغة التغيِّرية للمشهد والأرضية المشتركة، نتحدث عن إستراتيجيات الأستثمار الإقليمي في سياسة التوازنات الداخلية وأيضاً في مفاعيل الأحجام التمثيلية للقوى السياسية المانحة على المستوى الإنتقالي ضمانة مرحلية للتنفيذ وأيضاً شرعية مؤسساتية للتغيير إنطلاقاً من مركزية المؤثرات الداخلية في مراحل التحول وتماهي الإرادة الداخلية مع عناصر المواكبة الإقليمية للتغيير” ذات البعد الدولي و”التوقيت السياسي”.

إنطلاقاً من ما تقدم يُمكن أعتبار الحقيقة الثانية المُتَمَثلة بالشرعية العددية وفائض القوة الداخلي النابع من موازين القوى الداخلية وقدرات التمثيل السياسي داخل الطوائف وخارجها ” أرضية مشتركة للتغيير ” ” ومقدمة ميثاقية ” تستطيع من خلالها القوى الفاعلة على الساحتين الداخلية والإقليمية نظم وبلورة الإيطار العام لأي “مؤتمر تأسيسي” أو حتى مشروع حل يمكن أن يُطرَح في المدى القريب أو حتى البعيد على طاولات البحث السياسي.

ليست المرة الأولى التي تقارب فيها القوى الوطنية ملفات وجودية تُحاكي في جوهرها السياسي أمكانية عقد مؤتمر تأسيسي ” لكنها المرة الأولى التي يتقاطع فيها الدافع السياسي، التوقيت، المصلحة الوطنية، مع مطلب الطرح التغييري، في عام 2012 طرح حزب الله على لسان امينه العام سماحة السيد حسن نصرالله خيار عقد مؤتمر وطني تأسيسي” تحت مسميات المصلحة الوطنية ودوافع بناء الدولة، الأمر الذي لم تتوفر له الجهوزية السياسية آنذاك بالرغم من جدِّية الطرح ودِقَّة المرحلة، في عام 2020 خاضت القوى العالمية مجتمعة ومن ضمنها لبنان معركة وجود حقيقية صحية وإقتصادية مرفقة بعناوين سياسية بارزة شكلت على المستوى اللبناني حاجة إستراتيجية للتغيير ومحطة مفصلية في الحياة السياسية والنظرة الشعبية، (الرسم الميداني لخارطة النفوذ الدولي الروسي/الأميركي في المنطقة، صفقة القرن، المستجد التركي وتأثيره المباشر على السياسة اللبنانية، قانون قيصر، الأزمة الإقتصادية، الوضع المعيشي، والإنقسام الداخلي) عناوين أساسية وأخرى إستراتيجية قادرة من دون سابق مقدمات على الإنتقال السياسي بالدولة والمؤسسات إلى “مؤتمر تأسيسي” ضمن الأطر اللبنانية الجامعة وشروط المصلحة الوطنية.

السؤال اليوم هل تسمح القوى السياسية في لبنان بقيام مؤتمر تأسيسي عابر بأحكامه التغيِّرية للمُسَلمات الداخلية وأيضاً لحكم الطوائف؟
لبنان في عين العاصفة الوجودية و”المؤتمر التأسيسي” اليوم رهن “البيئات الحاضنة” والمصالح المشتركة على الساحتين الداخلية والخارجية.

———————-

*كاتب وناشط سياسي