لبنان والزمن الذي لا ينكسر.. بين تعليق “الأبوكاليبس” وإدارة الانتظار..!

بقلم العميد منذر الايوبي *

لا يمرّ عام في لبنان بالمعنى الفلسفي للكلمة، إلا ويُعاد تدويره صنف Recyclage مالا لزوم له.. يتبدّل التقويم، فيما يبقى الزمن السياسي عالقًا في موضعه، آسرآ الوطن في دائرة مغلقة تتغيّر فيها العناوين دون تبدّل البُنيَة. مبدئيآ في الحَيز السياسي ليس مجيء عام ورحيل آخر حدثًا لقرع الكؤوس على أنين الحُفَّاة، بل اختبارًا متجدّدًا لعلاقة الدولة والمجتمع مع الزمن نفسه..!

في الفكر السياسي ايضآ، لا يُقاس الزمن بعدد الأيام، بل بقدرته على إنتاج الفعل.. ما زلنا نستهلك الزمن بلا انقطاع فيما تغيب ارادة الفعل القادر على تحويل اللحظة إلى بداية.. إذ ما يُدار هو الواقع لا أسبابه.. Hannah Arendt اكثر المنظرين السياسيين في زمنها ميّزت بين زمن يُستهلك، وزمن يُفتتح بالفعل المؤسِّس… فيما حذر ابن خلدون من وهم تغيّر الأحوال بتغيّر السنين، معتبرًا أن الدول لا تتحوّل بتبدّل الأزمنة، بل بتغيّر عللها الداخلية…!

2025 لم يشهد تحوّلًا سياسيًا نوعيًا في حال البلد وأحوال العباد، بل استمرارية إعتناق “إدارة الزمن”. Time management
إذ واصلت الدولة أداءها عند حدّ وظيفي أدنى، ليطوِر المجتمع بالموازاة مهارات تكيّف فردية.. السلطة استثمرت الوقت بما تيسر موردًا رديفآ لمنجاة في تأجيل سقوط. السطو على اموال المودعين؛ الكهرباء والماء؛ البنية التحتية، الإدارات وغيرها الكثير من أزمات ، تكفي لِإستهلاك الزمن مضاعفآ لإنتاج حُلول، بدل فراغ عقيم يرسخ حالة سياسية، لُبها تعليق الأمل لإنعدام تحقق المُرام في إطار وعود لغوية لا أكثر..!.

ثم ان هذا النمط من إنتظار لا يتقاطع مع إستقرار، خطورته في تجميل الزمن ليتحول غطاء تأجيل.. عامآ بعد عام والسنون تترى مُذ وعينا على وطن عجزت الأيام عن إصلاح ما أفسدته النفوس.. كأنه في حال مراوحة على حافة حالة “أبوكاليبتية” Apocalyptic هي في معناها الفلسفي اصلآ، (كسرٌ للتاريخ، لا إدارته)..! فيما نحيا النقيض، استثناءً دائم طون قرار، وأزمة مفتوحة بلا جهة قادرة على تسميتها وترتيبها ثم الحسم فيها ..

لا أبوكاليبس هُنا بل تعليق له؛ خراب بلا ذروة، وأزمة بلا حسم…! واقع نشهد له.. إذ ان المعضلة السيادية ليست في كثرة الأزمات، بل في غياب اللحظة التي يُقال فيها: هنا ينتهي زمن ويبدأ آخر.. الرهان قبل حلول منتصف الليل ان يكون 2026 عام العهد الجديد خطوة اولى في الزمن الصعب، امتحان القدرة على تحويل الزمن من مساحة انتظار إلى أفق فعل، ومن إدارة الانهيار إلى الإمساكِ بالقرار. ولعل أوضح استشهاد للمفكر الجزائري “مالك بن نبي” إذ مَيزَ بدقّة بين مرور السنين وقيام الدورة الحضارية؛ فالسنة التي لا تدخل في مسار تحوّل تبقى رقمًا في التقويم، فيما تستمر الأزمة في الزمن نفسه وإن تغيّر اسمه…!

في المحصلة؛ لبنان اليوم لا يقف عند عتبة عام جديد، بل عند سؤال أعمق: هل يملك الشجاعة لكسر زمن “اللاحسم”..؟. وما لم يتحوّل الزمن إلى فعل واعٍ، يبقى تغيّر التواريخ مجرّد تبديل عناوين. كل عام وانتم بخير..!

*عميد متقاعد، كاتب.