لبنان .. الحل لدى أخوت شانيه

بقلم العميد منذر ألأيوبي *

تتفاقم التحذيرات الصادرة عن مرجعيات امنية وسياسية في ألآونة الاخيرة من شبح وقوع لبنان في شباك الفتنة، وبالتالي اندلاع حرب اهلية جديدة بعد مرور ثلاثة عقود على انتهاء الاخيرة عام 1989.. وبعودة سريعة الى تلك الفترة التي أقر فيها اتفاق الطائف إثر صياغة حلول مرحلية لاسباب النزاع، في نتاجه دستور جديد قابل للإشعال وفق الظروف وعند الاقتصاء، وذلك بعد ان لحظت بنوده تعديلات جذرية في متونها من الشك والريب الكثير. التفسيرات شتى وشتان ما بين المراد والمضمر، ساهمت او سهلت حبكها لغة عربية مديدة في الصرف عميقة في النحو خلافآ للغات اخرى؛ مما سمح بسهولة تلغيمه على قناعة سوء النية من الافرقاء الموقعين. اما الصلاحيات المريحة فتحتاج لحل الغازها في مساحاتها وحدودها القصوى الى الناشر القانوني والحقوقي الفرنسي المتخصص Désiré Dalloz مدعومآ بشقيقه Armand عل وعسى يجد في اجتهاداته ما يساعد على سبر اغوارها..

وإذ مضى اتفاق الطائف في مساره المرسوم حاملآ في طياته ومحاضره السرية غبن او بعض اجحاف على مضض بين الطوائف، انطلاقآ من قاعدة سبق واعتمدتها العشائر او القبائل العربية زمن الجاهلية “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، في مجافاة لعلوم الدستور ونظم الحكم..! مما “زاد الطين بلة” وساهم بإغراق الوطن في مستنقع يغص بفيروس المذهبية بعد تحوله عن حالته الاولى “الطائفية”.

هذه المقدمة ليست سردآ تاريخيآ او وصفآ لمرحلة بالمختصر، إذ ان منطق الكوارث الزلزالية علميآ يفرض تسجيل الترددات قبل حصولها إن أمكن لتداركها او بعد وقوعها حتمآ لدراستها، باعتبارها من هوامش الاضرار Collateral Dammage ما يفرض ذكر الاهتزازات في عمق النواة الداخلية Inner Core، ءفكان من ترددات إنهاء القتال و اقرار الطائف اقدام البرلمان عام 1991 على سن قانون العفو عن جميع الجرائم السياسية المرتكبة، و بإستثناء حزب الله باعتباره في حينه مقاومة للاحتلال، حلت جميع الميليشيات وسلمت اسلحتها في حين بدأت القوات المسلحة اللبنانية و في مقدمتها الجيش اللبناني بناء قدراتها الدفاعية و العسكرية و الامنية.


توازيآ؛ خلافآ للمنطق السليم العاقل، ولترتيبات انتهاء اية حرب اهلية داخلية، تسلم معظم قادة الميليشيات مقاليد السلطة، وبدل ان يؤسسوا لدولة يطمح اليها الجميع تعتبر انتصارآ للوطن وهي تاليآ فرصة لهم ايضآ في التخلص من ادران ما ارتكب خلال الحرب المشؤومة، انصرفوا لتأسيس مزارعهم الطائفية المغلفة بحقوق المذاهب فعينوا اتباعهم في الوزارات و الادارات وصولآ الى الندوة النيابية على مقياس قانون انتخابي مفصل وفق مصالحهم، بما يضمن انشاء كتل نيابية لكل فريق يستطيع من خلالها الحصول على مكتسباته الكيانية والمشاركة بالموافقة او وضع الفيتو بالمعارضة على اي قرار او مشروع تحت عنوان الميثاقية والديموقراطية التوافقية البدعة.

من جهة اخرى؛ ساهمت تصريحات مسؤولين امنيين او سياسيين عن قصد او غير قصد وعن حق او غير حق في بث الذعر خشية تداعي مقومات واسس الامن الوطني؛ كما كان لافتآ ما اوردته شبكة CNN الاميركية يوم اول من امس سواء في التوقيت او المضمون، اذ قاربت التفلت الامني المتدرج بالخطوة الاخيرة قبل ولوج حروب الشوارع بالرصاص بدل الاطارات المشتعلة؛ ففي تقريرها الاخباري اعتبرت “ان المسؤولين والسياسيين اللبنانيين باتوا يشكلون على نحو متزايد شبح الصراع الداخلي او الحرب الاهلية”. كما تضمن التقرير توصيفآ للوضع المعيشي المتدهور. و اذا كان المضمون معروفآ ينقل الفاجعة الحياتية و الاقتصادية الحالية بتفاصيلها، فاللحظة المفصلية للانهيار ستكون عند رفع الدعم عن السلع و الادوية و المحروقات، مما يعني الفوضى الشاملة مهما انكر وكابر المسؤولين او تجاهلوا.
اما لجهة التوقيت فقد اتى متزامنآ مع ما اوردته صحيفة LE FIGARO الباريسية “ان الادارة الفرنسية التي لم تثمر مبادرتها الدبلوماسية في أعقاب انفجار المرفأ، تخطط لزيادة الضغط على السلطات اللبنانية والافرقاء السياسيين بما في ذلك من خلال العقوبات”، مستطردةً انهم متورطين بـ”عدم مساعدة البلد المعرض للخطر”..! ناقلة تصريحآ للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “أنه سيدفع من أجل تبني نهج وأسلوب جديد في الأسابيع القادمة فيما يتعلق بلبنان، اذ أن الأطراف الرئيسة في البلاد لم تحقق تقدما على مدى الأشهر السبعة الماضية لحل الأزمتين الاقتصادية والسياسية”..!

بدا واضحآ ان الرؤية في الخيارات والخطوات في الاجراءات التي ستقدم عليها الاليزيه منسقة مع الاتحاد الاوروبي خاصة إثر اجتماع وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لادريان مع نظرائه الاوروبيين، كما سيكون لها تداعيات على الوضع اللبناني المنهار؛ لا سيما وان خطوط التواصل مع الادارة الاميركية سالكة و متقاربة اكثر من ذي قبل. هذا التقارب في مداه الاوسع المفترض يتعلق ايضآ و بديهيآ بفرملة الاندفاعة الروسية تجاه لبنان خاصة بعد زيارة وفد حزب الله الى موسكو و لقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف، علمآ ان الملف السوري و انتشار قوات حزب الله في سوريا وهو الاهم اقليميآ لكلاهما اخذ الحيز الاكبر ضمن بحث معمق بقيت تفاصيله وتفاهماته في حوزة مسؤول العلاقات الخارجية للحزب عمار الموسوي..!

في سياق متصل اتى لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس البلاد بعد ظهر اليوم (امس) عاصفآ وحاسمآ بالوجه السلبي، الامر الذي سيشكل مرحلة جديدة من تدهور اضافي غير مسبوق..! فاللقاء اكد الوصول الى نقطة اللاعودة عن السقوط المريع في الحرب الاهلية السياسية. على سراب انتظار نجاح قسري لاية مبادرة خارجية دولية اوروبية مأمولة او عربية خليجية مستبعدة، فإن اللبنانيين باتوا في وطنهم يخشون الحياة اكثر من الموت. اذ ان مجموع الطروحات والعناوين التي تبتدع وترمى كل يوم امام وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي “كالتفعيل الحكومي، مساعدة الاسر الاكثر فقرآ، منصات التداول بالدولار، التدقيق الجنائي، اعادة بناء احياء بيروت المتضررة او المهدمة، عقم التحقيقات القضائية الخ…” جميعها من نوع صناعة الوهم لا الامل، و شراء الوقت لن يكون اكثر من ملهاة لاستمرار المأساة..

ختامآ؛ اكتشف اللبنانيين يوم امس ان تعبئة اوراق الجداول بألأسماء والتركيبات في توزيع الوزارات على الفدراليات قضية مستعصية، ينصح باستعمال القرعة او شبكة الكلمات المتقاطعة لفك طلاسمها. البعض طلب اللجوء الى الشخصية المسرحية المبدعة “اخوت شانيه” لحل المعضلة: اذ لا بأس باعتماده؛ على نسق اجراء سباق جري يشارك فيه المرشحين لتولي الوزارات سواء الذين اقترحهم الرئيس المكلف او اولئك المفضلين لدى رئيس الجمهورية. يبدأ السباق من مستديرة الصياد بعد ان يعلن رئيس مجلس النواب اشارة الانطلاق وينتهي في باحة قصر بعبدا، على ان يعين وزيرآ من يصل اولآ من المرشحين لكل وزارة.! رحم الله نبيه ابو الحسن وحفظ لبنان..!

————–

بيروت في 22.03.2021