كنيسة مار الياس بوصلة بناء سوريا الجديدة..!
بقلم العميد منذر الايوبي *
كان الداخلان الى كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة شرق دمشق من صُنف قَتلة ذَوُو ذقون شُعْثٌ وقلوب سوداء مُتسخة بالشَر.. لم يشعرا بجمال إيمان يحتضِن مُصَلين ولا بفوحِ بخورٍ يغمر بياض الصبح ومِسراب الضحى، نكران خشوع امام المذبح كما في حضرة الفادي..! «اطلقا النار على المؤمنين عشوائيآ قبل ان يفجرا نفسيهما بسترة ناسفة» وكفى قُداس الأحد شهداء وجرحى..
الفاجعة كبيرة الجريمة شنيعة والمشاهد مرعبة اجساد ممزقة، اشلاء بشرية على الجدران والقناطر.. لا عذر للدولة السورية واجهزتها الامنية لتبرير تقصير امني واهمال فاضح في حماية مراكز العبادة سيما خلال القداديس بالبداهة الامنية.. مكافحة الارهاب وتنفيذ استراتيجية الامن الوقائي امر مفروض على دولة وليدة لا تزال هشة الأُسُس تسرح فيها قطعان ذئابٌ مُستيقظةٌ ضالّة، وإن الصقت المذبحة بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) شماعة قابلة للتحمل والتحميل لِكل آن وزمان تعلق عليها كل الموبقات.. ثم ان التخلي عن غليظ الخَيش المرقط لا يكفِ لتنقية الأنفس فيما التقيّة الاساس.. التهديدات الارهابية لن تتوقف؛ اهل الدار ادرى بما فيها، اصل قياداتها من رحم مشابه حَوى مشيمة التطرف والاصولية الدينية.. امر مفروغ وجوب ملاحقة وتوقيف ومحاسبة بالعدالة الاقسى لمن خطط وامر ونفذ على خلفية استهداف مواطنين سوريين ومسيحيين، الرسالة واضحة بالبريد الامني من مثلث “دير الزور- حمص- الرقة” عبر البادية السورية مختومة بالأحمر السياسي والبُعد الاقليمي…!
لا يمكن إسقاط الدور ولا إنهاء الوجود المسيحي الاصل والأصيل في بلاد الشام بسقوط النظام السوري الديكتاتوري السابق.. على الرئيس احمد الشرع مَحوِ الصورة الملتبسة الماثلة في الاذهان ترسُم ملامح الجولاني قائد جبهة النصرة السابق..! تبديد القلق لدى السوريين المسيحيين يبدأ من هُنا، تفجير الكنيسة ودماء الضحايا حافزٌ كبير يفتح مَصاريعُ الحُكمِ لمواجهة القتلة وتوطيد اسس الدولة العلمانية.. مِن ضرورات الكيان الجديد معالجة تفسيرات وحجبِ اجتهادات ارادها القتلة الضَالين مَذهبآ هؤلاء الذين يرفضون اعتبار ان هنالك دينآ غير الاسلام.. على سبيل العرض بعد بحثٍ ورد في الآية الكريمة {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لكن تجاهل سببيتها خطأ كبير وبُعْدُ هدايةٍ عن كُفر بالله؛ إذ رُويَّ ان الحارث بن سويد كان من الأنصار ، ارتد عن الإسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفارآ فنزلت هذه الآية وأسلم الجمع بعدها…! اضافة الى وجوب ترشيد وتهذيب ما يُمارس ويُعلَن. مِثالآ: استخدام السلطة عبارة الطائفة المسيحية بدل الدين المسيحي لا يمكن تبرأته من تشدد في جهل او تعمُدٍ لخُبث نوايا..!
من بحتِ إيمان؛ لم يخلُق الله الشرّ ولا الخطيّة، بشاعتها وكبير إثمها اننا نرتكبها امام الله.. في الاديان السماوية الثلاث يقول الأئمة واللاهوتيون الصالحون أن الله مَنح الإنسان حرية الاختيار بين الخير والشر، وهي سبب المعاناة.. لم يَسْمَح الباري المُحِب القدير بوجود المآسي والحروب، تفشي العنف وانتشار الاوبئة حتى التغير المناخي ومحاولة غزو كواكب اخرى..
إذن لماذا الشَّر ومن اين يأتي..؟ اعتقد بالعقل الواعي والايمان الصحيح انه الطغيان البشري منذ الخطيئة الاولى وانفصال الانسان عن الله، لكنه في رحمته بقي يضيء طريق الخلاص، للأنبياء شفاعةٌ وللمسيح مغفرة الذنوب ومَحوِ الآثام والمعاصي.. في سفر ميخا- الأصحاح 2 وَرَدَ: وَيْلٌ لِلْمُتَآمِرِينَ بِالسُّوءِ، الَّذِينَ يَحُوكُونَ الشَّرَّ وَهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ، الَّذِينَ يُنَفِّذُونَ عِنْدَ طُلُوعِ الصَّبَاحِ مَا خَطَّطُوا لَهُ، لأَنَّ ذَلِكَ فِي مُتَنَاوَلِ قُدْرَتِهِمْ”..
ليس للنظام السوري الجديد سوى الإسترشاد ببوصلة الكنيسة الجريحة والتمثُلِ بلبنان في عمقه الوجودي، يُنبوع المسيحية الصافيّة، مسكن الأرثوذكسية المُترفِعَة، حُضن الإسلام السَمِح المُنفتح على بشريةٍ خليقة الله، مَلاذ المُضطهدين والمَقموعين والمُتألمين.. لبنان الرسالة رغم كل المآسي والآلام، جوهرُ الشرق وروحِه الحَيّة؛ قد قاربت تصفية الحسابات الاقليمية على ارضه الإنتهاء؛ للشرق قيامته وله رعاية الله واهله..!
*عَميد متقاعد؛ مختص في الامن والاستراتيجيا