قوى ٨ آذار أفهمت المعنيين: قبلنا بظلمنا والهيمنة على حصتنا المنطقية في الحكومة لكن قبولنا بذلك لن يطول

عباس صالح

لا يبدو أن الازمة السياسية التي يشهدها لبنان على خلفية تشكيل الحكومة آيلة انفراج وشيك، بل ان كل المؤشرات تدل على ان ما يجري ليس سوى بداية المشوار .

الازمة تستفحل كل يوم اكثر فأكثر، وجوهرها يكمن في الخلل الكبير الناجم من الاعوجاج الفاضح في مقاربة التشكيلة السياسية في البلاد عموماً، والتركيبة الحكومية التي تم تداولها تالياً. 

يقرأ مصدر رفيع في قوى ٨ آذار في ابعاد المعطيات التي حتَّمَت على القوى السياسية التي تتعاطى مع الازمات بمنطق براغماتي وعقلاني، وعلى قواعد التسامح والتنازل والايثار، ان ترفع الصوت بداية للقول ان هناك خللاً في المسار يجب تصحيحه على الاقل، ان لم يكن بالامكان تقويم الانحراف الخطر في مقاربة التوزيعة برمتها، وهي توزيعة تحمل بذاتها بذور الفتن المستمرة، والكباش الدائم،  والتعطيل المتواصل في عمل الحكومة العتيدة اذا ما ابصرت النور، ولن تتيح لها ان تحكم فعلياً لتنطلق في رحلة معالجة الملفات الاقتصادية والمعيشية التي باتت اكثر من ملحة وتنذر بأسوأ العواقب على الهيكل برمته.

تأسيساً على تلك الحتمية المنطقية في القراءة السياسية الدقيقة للتركيبة الحكومية التي تم تسريبها قبل اندلاع الازمة المتعلقة بتوزير احد اعضاء اللقاء التشاوري النيابي الذي يضم النواب الستة السنة من اصل ١٠ نواب سنة معارضين لتيار المستقبل، يرى المصدر أن الاصوات التي تعلو من هنا وهناك مطالبة بتسهيل الولادة الحكومية، وتصورها للمواطنين كأنها البلسم الذي سيداوي كل الازمات الاقتصادية والمعيشية بسرعة فائقة، هي، في أحسن الحالات، اصوات إلتبست عليها الامور، وانطلت عليها “بروباغندا” القوى المستفيدة من التشكيلة الحالية والتي تعتمد التهويل وسيلة لفرض حكومة تناسبها فعلاً، لكنها لا تناسب الوطن، ولن تستطيع البتة ان تحل أي أزمة من الازمات المطروحة على طاولة مجلس الوزراء، والأهم ان تلك القوى نفسها تتوهم بأنها اذا سيطرت على اغلبية محددة في اطار معين انها ستتمكن من انتزاع ما تصبو اليه في سياق المكاسب السياسية، وهذا وهمٌ كبير ينم عن عدم دراية كاملة بمعارج السياسة ومفاتيح الحكم في لبنان.

ويعتبر المصدر السياسي ان ما جرى حتى الان في سياق التركيبة الحكومية هو تناتش حصص جرى بموازين غير سليمة ابداً، وغير منطقية، وغير عقلانية، وغير عادلة اصلاً، ولا تنم عن فهم عميق لدى القوى المعنية بالتشكيل لأبعاد الازمات اللبنانية، وانطلاقاً من اعتبار القوى السياسية، انها امام صراع نفوذ على من يتمكن من السيطرة على مقدرات الحكم من خلال التعطيل جمعت بقايا قوى ١٤ آذار نفسها في مركب واحد، وراحت تفاوض مجتمعة ومتآزرة مع بعضها البعض بنصف عدد الوزراء بداية، على رغم التمزق الذي كانت تعانيه نتيجة الخلافات التي عصفت وتعصف بها والتي وصلت الى التخوين المتبادل والذي تجلى بالطعنة القاتلة التي سددها رئيس حزب القوات سمير جعجع حين وشى للسعوديين بحليفه الرئيس المكلف سعد الحريري وكاد ان يوصله الى الاعدام في السعودية، بعد احتجازه المدوي لولا التدخل الدولي والمحلي الذي انقذه فعلا من براثن الذئب.

ورغم انتقادات الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط المتواصلة للحريري على خلفية خطواته السياسية غير المنسقة والردود الحريرية التي تنم عن جفاء كبير يستبد بالعلاقة ما بين الرجلين، لكن الحريري وضع جعجع وجنبلاط في مركبه السياسي ودخل مخاض تشكيل الحكومة على قاعدة إرضاء حليفيه، الى ان حصل على ١٣ وزيراً من اصل ثلاثين اي انه ضمن مع حلفائه اكثر من الثلث المعطل على طاولة مجلس الوزراء، في المقابل فان رئيس الجمهورية ميشال عون يبدو انه نأى بنفسه عن حلفائه المفترضين، وراح يطالب بثلث الوزراء زائداً واحداً كحصة خاصة به وبتياره السياسي وحصل بالفعل على ١١ وزيراً، موزعين على كل الطوائف، وهذا ما دل ويدل على ان النوايا غير سليمة في اطار الشراكة السياسية.

بقيت حصة قوى الثامن من آذار مجتمعة، فأعطيت حصص الطائفة الشيعية الستة، وهو امر طبيعي، على اعتبار ان لا ممثلين للشيعة في البرلمان من خارج منظومتي “حزب الله” و”امل”، كما اعطي تيار المردة مع حلفائه وزيرا واحدا بحيث اصبح الكل سبعة وزراء في احسن الحالات وهذه ارقام غير منطقية وغير متطابقة لا مع اعداد النواب الذين حصل عليهم كل طرف، ولا مع منطق الشراكة في الحكم، ولا مع نسب التمثيل الشعبي الحقيقية.

عدد نواب ١٤ آذار مجتمعين ٤٤ نائباً مع الحلفاء هم ٢٠ نائبا للمستقبل و١٥ للقوات و٩ للاشتراكي. بينما عدد نواب قوى ٨ آذار وحدها من دون الحليف العوني، الذي آثر القسمة عنهم في التشكيلة الوزارية، تشكل مجتمعة ٤٦ نائبا.موزعين على الشكل التالي: ١٨ لحركة امل و١٤ لحزب الله و٦ نواب للقاء التشاوري (النواب السنة المستقلين) و٥ للمردة وحلفائه و٣ لكتلة الحزب للسوري القومي الاجتماعي. وهذا من دون احتساب حصة الطاشناق، فبأي منطق تحصل كتلة ١٤ آذار التي حصدت مجتمعة ٤٤ نائباً في الانتخابات النيابية على ١٣ وزيراً فيما لم يحصل في المقابل تكتل قوى ٨ آذار سوى على ٧ وزراء وهو الذي حصد ٤٦ نائباً؟!

وبأي منطق وأي حسابات تحصل الكتلة العونية التي نالت ٢٢ نائباً في البرلمان حصة من ١١ وزيراً، في مقابل ٧ وزراء لتكتل تجمع قوى نال على ٤٦ وزيرا؟ 

اي منطق هذا وأية حسابات يسأل المصدر السياسي، ويضيف نحن لم نكن بوارد فتح هذا الملف وهذه التساؤلات أصلاً لو لم يتم الافتئات ظلما وعدوانا على مجموعة من ٦ نواب ورفض إعطائهم وزير دولة، ومن ثم التعجرف في التعاطي معهم والاستخفاف بهم وبكل المسؤولين الذين أشاروا منذ بداية الحديث الحكومي الى حصتهم المفترضة.

من هنا يرى المصدر السياسي ان ما كان سارياً في مقاربة تشكيل الحكومة سابقاً لم يعد مقبولا الان بعد ان اظهر الكل نواياهم المبيتة في هذا المضمار، وبالتالي فاذا لم يعالج هذا الامر بالسرعة اللازمة ويعطى كل ذي حق حقه في اطار تسوية معينة فإن آخر الدواء هو ما أفصح عنه الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله صراحة في خطابه الاخير بقوله “اذا كنتم تريدون تعقيد الامور فلنعد الى نقطة البداية وليكن العدّ صحيحاً ومنطقياً ومتساوياً مع النسب النيابية الفعلية لكل طرف سياسي”. وبالتالي فإن ما يزال مقبولا اليوم حتى هذه اللحظة قد لا يعود مقبولا غداً، والغد لناظره قريب”.