قمة تيانجين .. رؤية استراتيجية للتحولات العالمية..

 

خاص – “الدنيا نيوز”


*بقلم العميد منذر الايوبي

على خلفية صراعات عالمية متصاعدة وفي مرحلة دقيقة من تاريخ السياسة الدولية انعقدت القمة الخامسة والعشرون لمنظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين (31 آب – 1 أيلول 2025). ليمثل المشهد الذي جمع قادة الصين وروسيا والهند تحدياً ناشئاً للقيادة الأميركية العالمية. لم تكن القمة مجرد اجتماع روتيني، بل إعلان ضمني عن ولوج العالم نظامآ جديدآ متعدد الأقطاب يزاحم فيه الشرقُ الغرب على صدارة القرار الدولي.. ومما لا شك فيه ان انضمام الهند إلى المنظمة زاد من حجمها وتأثيرها، إذ باتت تضم 10 دول يمثلون تقريباً نصف سكان الكوكب.. عدا عن تلك المشاركة دون عضوية بصفة مراقبين او شركاء مرشحين للإنضمام وعددها 16 دولة..

تاليآ؛ عبرت القمة عن تحول استراتيجي من منتدى سياسي–أمني إلى إطار مؤسسي متكامل؛ ذلك من خلال قراءة الخطوات والأهداف الرئيسية الأوسع على ما أُعلِن متضمنة:
١- بناء قوة اقتصادية مشتركة مع تحالفات مستقلة قادرة على التأثير خارج نطاق الهيمنة الغربية.
٢- توحيد عضوية المنظمة وتعزيز التماسك الداخلي لتجنب التصدعات الإقليمية..
٣- إرساء قواعد تعاون أمني جماعي، بما يشمل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود كجزء من استراتيجية تأمين المصالح الحيوية لأعضاء SCO.

سياقآ، تم التركيز على الأمن الجماعي من خلال تشجيع التنسيق بين الدول الأعضاء وتعزيز الثقة المتبادلة، لمواجهة التحديات الامنية المشتركة وضمان الاستقرار، هذه الاهداف تعكس رؤية استراتيجية لا يمكن تجاهلها تشمل تقليل الاعتماد على الغرب في الحقول الممكنة كالتعاملات المالية، الطاقة والاقتصاد، مع طموح استخدام التطور التكنولوجي والعسكري كأداة قوة استراتيجية لضمان استدامة النفوذ مستقبلآ؛ إضافةً إلى تأسيس معيار موحد للأمن والتعاون السيبراني داخل فضاء المنظمة SCO. Shanghai Cooperation Organisation. بالتوازي صدرت إشارات واضحة تشجع وتدعو لإعادة التموضع العربي على سبيل المثال بعيدًا عن الثنائية الغربية التقليدية، مع إمكانية تطوير مشاريع اقتصادية وطاقوية بديلة. هذا التموضع الجيوسياسي والإقتصادي يعني تثبيت ركائز نهائية تعزز استقلالية الأعضاء وتحد من هيمنة الولايات المتحدة.

في قراءة رمزية مبدئية، بين الصورة Image والمشهد Scene تشير الأولى إلى تمثيل بصري او ذهني لشيء ما، كوسيلة تواصل فعال للتعبير عن المشاعر والأفكار، تمتاز بقدرة التأثير المباشر على وعي المُتَلقي. فيما يكون المشهد وحدة سردية متكاملة بأبعاده الزمنية والمكانية؛ وكثيرآ ما تتجسد “الصورة المشهدية” Scene Image كوسيلة لسرد الأحداث والتفاصيل الحسيّة، ما يمنحها قوة خاصة في التأثير على العقل والوجدان، لتصبح عنصراً أساسياً في الخطاب السياسي او الثقافي المعاصر.

من رؤية مسرحية درامية؛ شكلت الصورة الشهيرة التي جمعت الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي رسالة ذات سطوة على فكر الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لتكون المشهدية الإيحائية في الصورة الشاملة لرؤساء الدول المشاركة في القمة 28 دولة؛ لبها ان النظام العالمي لا يمكن أن يُدار أحاديًا بعد الآن، وSCO تضع معايير وقواعد جديدة للتعاون الدولي تعكس مصالح أعضائها المتنامية وتحد من النفوذ الأحادي للغرب.

 

 

من هذه المنطلقات لم يتأخر الرئيس ترامب في ترجمة التأثير المباشر النفاذ للمشهدية الجامعة، معلنآ من صفحته على موقع Social Truth: *عطلة سعيدة وطويلة للرئيس الصيني و”للشعب الصيني الرائع”. * “أحرّ التهاني” للرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي، متهمآ السياسيين الثلاثة بـ”التآمر ضد الولايات المتحدة”.

في تعليق (ستانيسلاف تكاتشينكو ) الأستاذ في قسم الدراسات الأوروبية بجامعة سانت بطرسبورغ: ان تصريح ترامب عن “مؤامرة” نتاج قناعة «بتراجع نفوذ بلاده في أوراسيا، وإستيائه لعدم دعوته حضور العرض العسكري الصيني»؛ ما يُلقي بالولايات المتحدة تلقائيًا على الهامش الأوراسي؛ وربما قصد ايضآ ان الشركاء الأوراسيين يُعززون علاقاتهم ليس خدمة لمصالح بلادهم فحسب، بل ومن أجل “وخز” واشنطن وإحراج الرئيس الأميركي شخصيًا سياسيآ وداخليآ..

بين الطموح والواقع أكدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون ان أفق النفوذ الغربي بات محدودًا، وأن عصر القطبية الأحادية قد انتهى فارضة نفسها قطبًا عالميًا متعدد الأبعاد: اقتصاديًا، أمنيًا، وتكنولوجيًا. ليكون نجاح هذه الرؤية والمسار معتمدآ على التوافق ووحدة الاهداف بين اعضائها اولآ، وقدرتها على مواجهة الضغوط العالمية ثانيآ، وهذا لا يمكن ان يتحقق إلا من خلال بناء مؤسسات قوية ومستدامة تتحمل تحديات القرن الحادي والعشرين..!.

———————
*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية.