قرار حصرية السلاح.. تقدير موقف أو رهان على النوايا؟


بقلم العميد منذر الأيوبي
في خُطوةٍ غير مسبوقة من شأنها إعادة رسم معادلة الأمن الإستراتيجي للدولة، بتاريخ الخامس من آب 2025 كلّف مجلس الوزراء قيادة الجيش إعداد خطة تطبيقية لحصرية السلاح تُنَفذ قبل نهاية العام الحالي على كامل الأراضي اللبنانية. هذه المهمة وضعت المؤسسة العسكرية في قلب معادلة حساسة؛ ضرورات الاستقرار الداخلي، متطلبات ضبط الحدود، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة..

من الواضح ان بلورَة قرار «حصرية السلاح» زمنياً وتقنيآ مع وضع سقف سياسي وإجرائي محدد زمنيآ، ربما بات مرتبطآ بمسار حواري داخلي إثر كلمة الرئيس نبيه بري في 31 الشهر الماضي، إذ وضعت سقفًا توافقيًا يرفض المقاربات القسرية، ما سيدفع مجلس الوزراء بعد الاطلاع على تفاصيل الخطة من قائد الجيش العماد رودولف هيكل في جلسته المرتقبة بعد غد الجمعة لصياغة مسار تدريجي تشاركي بدل الحسم الفوري؛ فالتوافق او التفاهم الوطني هو المدماك الاساس رغم الغطاء السياسي المؤمَن.

من جهة اخرى؛ إن تأمين نجاح ما يُرسَم يرتبط بضرورات عدة بدءآ بالتمويل والدعم، منها على سبيل العرض العام لا الحصر :
١- رفع عديد الجيش من 75,000 إلى 90,000 عنصر مع تزويده بالمتطلبات اللازمة للتدريب والتنشئة.
٢- تأمين مستوى من التجهيز والدعم اللوجستي يكفي حاجات تنفيذ المهام.
٣- تعزيز سلاحى الإشارة بشبكة إتصالات متقدمة، اضافة إلى الشبكة المخصصة للمراقبة الحدودية.
٤- تعزيز سلاح الهندسة بالتقنيات والتجهيزات المتقدمة لنزع الالغام وكشف المفخخات وتعطيلها.
٥- إنشاء الغرفة المشتركة وخلية التنسيق Joint Tasking Cell تضم الجيش وقوى الأمن وأمن الدولة والجمارك لتوزيع الأدوار ودراسة مؤشرات الأداء (KPIs) الأسبوعية.
هذه البنود وغيرها توجب على الحكومة السعي لتوفيرها او طلبها صراحةً من المانحين ، ودون ذلك ستكون الخطة متواضعة إن في التنفيذ النوعي ام في الهامش الزمني.  

تاليآ، يُفتَرَض اعتماد فرضية (التدرج والتمييز) بمعنى الفصل بين ثلاثة مسارات:
١- السلاح المتفلّت (معالجة فورية أمنية وقضائية).
٢- الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات (تسليم تدريجي نوعآ وكمآ).
٣- سلاح حزب الله (مسار تفاوضي متزامن مع التنفيذ)، وفق خارطة التزامات مرتبطة بضمانات ردعيّة وحدودية.

كما يتوجب ايضآ في مراحل التنفيذ والتحركات الميدانية تركيز القوى الشرعية على خفض مخاطر الاحتكاك الداخلي، اذ ان تمركزها في مناطق التوتر (الحدود الجنوبية، البقاع الشمالي، مخيمات النزوح/اللجوء) وتنفيذ مهامها سيتم وفق إجراءات “نظيفة” أمنياً وقانونياً، ما يحدّ من الأذى المدني ويُجنّب الصدام الأهلي. بالمقابل فإن أية خطوة نحو «نزع» قسري تولّد خطرآ ارتداديآ سريعآ. 

سياقآ، إن جهوزية الجيش في قطاع جنوب الليطاني حاليآ في اعلى مستوياتها، وستكون حاضرة للإنتشار بالتنسيق مع قوات الطوارئ الدولية فور بدء انسحاب قوات العدو  تلافيآ لأي فراغ قد يُسْتغل، مع الحفاظ على تثبيت التزامات متبادلة وفق القرار 1701. اما على مسرح الأمن الحضري والحدودي، فالأولوية نزع السلاح المتفلّت والعشائري، مع إغلاق مصادر التهريب للممنوعات والأسلحة والتجارة غير الشرعية، بالتكامل مع الأجهزة الامنية السورية، ما يعطي نتائج ملموسة سريعة ويُكسِب الخطة شرعية شعبية.

إزاء هذا العرض لأداء محترف، لا يمكن تجاهل الإنعكاسات وبنية المخاطر؛ إذ لا يزال حزب الله في موقفه المعلن  يعتبر قرار «حصرية السلاح» وتكليف الجيش تصعيدآ خطِيرآ وخطيئة، معلنآ رفضآ محسوبآ خارج معادلة «الانسحاب الإسرائيلي، وقف الخروقات الجوية والبرية، إضافة إلى عمليات القنص العشوائي من المسيرات، عودة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم وإطلاق سراح الاسرى». كما ان قوات الطوارئ الدولية غير مستثناة من الاعتداءات، فيما لجنة الميكانيزم العسكرية المفترض في مهامها الأساسية مراقبة تنفيذ بنود القرار الاممي عاجزة عن اداء دورها ولجم العدوان المتمادي. 

لذا فإن أي ضغط إضافي على المقاومة سيرفع منسوب التوتر ويضع العمليات الأمنية عند حدود مخاطر غير محسوبة او مرغوبة قد تعتبرها بيئات معينة إستهدافآ مباشرآ. هنا لا يمكن تجاهل “الأثر الأمني”: اهتزاز هيبة الدولة، تزايد المخاطر المتفرقة  من نسق عمليات اغتيال او تفجيرات ارهابية إنفلات الشارع دون تجاهل لعبة الطابور الخامس والعملاء. ما يضع العملية بمجملها تحت نيران اختبارات ميدانية قد تُجمِد المسار؛ ليتحول جهد الجيش إلى التركيز على الوضع الأمني وبالتالي الاحتواء لا التطبيق.

وعلى تماثل مع القرار الاستراتيجي للسلطة الفلسطينية بتسليم أسلحتها ضمن الممكن والمونة، فإن تخلي حزب الله عن سلاحه  لا يزال مرتبطآ بالتسوية الاستراتيجية بين واشنطن وطهران،  فيما يجهد بنيامين نتنياهو لضرب هذه التسوية مكرسآ نفسه لاعبآ منفردآ على المسرح الاقليمي.

امام هذه الشبكة المعقدة من العوائق الامنية والجيوسياسية، تصبح المسألة في خانة المراوحة، فالحزب المبني على عقيدته الأيديولوجية لا يستطيع الانفراد بقرار من هذا الحجم، كما ان تملصه من هذا الارتباط لا يجدي امام بيئته الشعبية، فهي رغم التزامها الوطني المرتكز على الإنتماء تعتبر التخلي عن السلاح الآن يجعلها فريسة سهلة امام العدوان سواء قدم جنوبآ او شرقآ من فصائل التطرف والإرهاب. وما يزيد الطين بلة ان الوفود الاميركية المتعاقبة الديبلوماسية والعسكرية المستجدة تمارس ضغوطاتها وتحذيراتها على الحكومة والعهد تحت طائلة التخلي، فيما تعجز عن تقديم ضمانات تكرس دورها وسيطآ جديآ وقادرآ…

من هذا المنطلق قد تكون المظلة الأفضل للعبور، وحدة وطنية بعيدآ عن انقسام اولآ، ثم تفهم وإقتناع افرقاء الداخل حكمة السير بالاستراتيجية الوطنية او الدفاعية طالما قرار حصرية السلاح متخذ اساسآ.وهنا يبرز سؤال جوهري تفترض العقلانية طرحه:
ماذا لو فشلت الخطة في التنفيذ..؟ الفشل سيضع الجيش أمام مأزق صعب، كما قد تتحول العملية إلى ورقة مساومة بيد القوى الدولية، بدل أن تكون مدخلًا لتثبيت السيادة الوطنية.

في ظل ما يُحَضَر ويُنَفذ لتفجير الإقليم هدف تحقيق مشروع دولة إسرائيل الكبرى، فإن تنفيذ قرار مجلس الوزراء امام فجور نتنياهو وخطط مجلس حربه يصبح نوعآ من رهان على النوايا لا اكثر ولا اقل ..
————————-

*عميد مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية